2024-11-26 - الثلاثاء
00:00:00

آراء و مقالات

فوضى الظلام والكلام

{clean_title}
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
صوت عمان :  


الفرق كبير بين مخاطبة شخص واحد ومخاطبة جمهور، ولا أتحدث عن الأدوات، بل عن التفكير، والتنوير.. والتثوير أيضا.

في الأسبوع الماضي طغى خطاب الظلام، وكالعادة كله كلام في كلام، وقد عشت شخصيا موقفا سريعا ليس بالجديد بالنسبة لي، فغياب العقل والإحساس ثم الوعي والنزاهة، كلها تتجسد حين يتولى الحديث شخص جاهل، لم يملك من العلم ولا تحصيلاته الأكاديمية شيئا، فيجود على الضئيلين عن التنوير والتفكير فوق التخطيط والسياسة والإدارة، ويخطب في فن القيادة!.

المشهد أصبح يوميا متكررا؛ وأضحكني عدة مرات رغم أنه ليس بالجديد، لكنه يبعث على السخرية حقا ويشعرني بالخيبة من التغيير وجهوده، حين تشاهد أميا فوق فساده، ينظر بالحديث على أستاذ جامعي او شخص باحث من حملة الدكتوراة، وفوق ذلك مسؤول، فيعلمه فنون التنوير والتخطيط والإدارة فوق الأعلام والدعاية وفنون (أكل الكتف)، ويجود عليه بالأكاذيب التي تخرج طبيعية مع الأنفاس، لم اتمالك نفسي من الضحك، فانفض الاجتماع.

الموقف ذاته تكرر الأسبوع الماضي لكن أطرافه مؤسسات دولة وجمهور هذه المرة، ومن المعروف في سيكولوجية الجماهير والجموع، بأن العقل يغيب تماما في كثير من المواقف.. (يوجد علم كامل شامل ونظريات معروفة بهذا الخصوص).

حديث السياحة الدينية والسياسة المعلبة انتشر أيضا الأسبوع الماضي، ورأينا فتاوى ونظريات تفعل فعلها في ترويج خطاب الكراهية والتفكير الاستراتيجي (جنبا إلى جنب الله وكيلكو)، وهذه المرة تمت الإساءة لأصحاب العقول من قبل من يدافعون عنهم، ولا يوجد وراء (الأكمة)، سوى خطاب تثويري عرمرمي دمّر حتى الآن نصف الدول من حولنا، يتحدث عن الديانات والعقائد بينما الكثير لا (يصلّي في مسجد أو في كنيسة).. فصلّوا على الأنبياء محمد وعيسى وموسى، عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ثم باضوا بيضتهم الثانية في السياق ذاته (كله شرع ودين وعقائد)، يتولى الحديث التثويري فيها أبعد الناس عنها، وهكذا هي سيكولوجية القطيع، حيث يغيب العقل، ويقود الجمهور أدناهم وعيا، وأبعدهم عن الأخلاق بدعوى الجرأة، التي هي بلطجة في الواقع، واعتداء على الناس وتنمر على العقل والوعي والحوار الديمقراطي اللائق.

ولأن المزيج كله شوائب أفكار ومبادىء ويخلو من الأخلاق، والظلام فيه دامس عميم، وجدنا من يعلمنا أيضا أمور ديننا، ويوظف عبارات خطباء الجمعة حسب مقاييس التفاهة المقيمة في عقله الصغير، ونوازع نفسه المظلمة المتضخمة، التي تشوهت ففقد النظر والسمع والقلب السليم، وأصبح مجرد وعاء للإنفعالات السوداء، المبنية على التنمر والإقصاء والرفض والتوظيف الشيطاني لجزئيات الكلام..

حتى وزير الداخلية، ومع آخر النهار، نال من الحب جانبا، فسمعنا وشاهدنا ثم قرأنا صديد النفوس والعقول المظلمة المتخلفة، وقاموا (بطعج ومعط أسئلة كلها بعلامة استفهام واحدة وهي كثيرة عليها): من هو صاحب شركة كذا، ولماذا يحتكر مليوني سيارة ويتقاضى 20 دينارا عن كل وحدة، ولماذا التعطيل ..الخ؟.

ثم يأتي القول الفصل من الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، وهكذا تفعل الحقيقة بالمتخلفين والشياطين، تدحضهم وتلقف ما يأفكون شرا أو جهلا، ليؤكد بأنها 5 شركات حتى الآن، وأن الباب مفتوح لكل شركة تحقق الشروط، ولم يقف أحدا عند الغاية من كل هذا الفحص والاعتماد لهذه الشركات، فالتعديل على السيارات بإضافة قطع وتجهيزات فنية ما، وحين يقوم بها (صبي ميكانيكي أو أي فني متذاكي مثلا)، فهي تعرض المركبة والناس داخلها وخارجها للخطر، لذلك وجب أن تكون هناك جهات فنية معتمدة ومسؤولة فنيا، وتتحمل تبعات أية تعديلات على سيارة، علما ان القانون أساسا يمنع التعديلات، لكنها حالة لمراعاة الناس، ووجب تنظيمها بالقانون، لأننا في دولة مؤسسات وقانون، وكلها تهتم بخدمة وسلامة ارواح وممتلكات الناس.. ثم صمت بل وجم الجميع و(بُهت الذي كفر)، وهكذا حال الجاهل حين يتحدث بأمور علمية او فنية أو قانونية، فالظلام لن يشفع له بأن يستمر في (اللغوصة)، بل يتبدد ظلامه ويتلاشى هو لأنه أمام الحقيقة ضئيل حد التلاشي.

سأقول لكم كما يقول ذلك الطاهي الغزاوي الجميل (ما بعرف اسمه)، حبايبنا اللزم:

لو لم تكونوا تعيشوا في دولة راسخة راشدة، سامقة فوق كل خيالاتكم وتخلفكم، لما شعرتم بكل هذه البحبوحة في الرقص والقفز في الظلام، فعساكم تتريثوا ثوان قبل الجعير والتنظير الصبياني، والشيطاني، لأنكم تماطلون أنفسكم وتتأخرون أكثر عن بلوغ درجات الوعي لتسيير أمور حياتكم، قبل ان تديروا دولة من خلف شاشة هاتف، ومن خلفية دامسة الجهل والتخلف.
كلنا نحاول انتشالكم من الحضيض.