نفهم في هذه المهنة انحسار الاهتمام الإعلامي بقضية أو خبر أو حدث ما، ومن الطبيعي أن لا يتجاوز عدد الأخبار المهمة في الرأي العام ? أخبار في أحسن الأحوال، وأحيانا تلجأ القوى السياسية المسيطرة لتغيير قسري في ترتيب الأخبار، كنوع من التدخل في صياغة أو ترويج الرأي العام.. لكن ما لانفهم بأنه موقف طبيعي أو بريء، حين نرصد على الدوام سخونة اهتمام بعض الجهات بقضايا بعينها، والدفاع عنها، وطرح أفكار أصيلة أو بديلة لحل مشكلة ما، لكنهم يصمتون كلهم حين تتحقق مطالبهم من قبل الدولة، دون أن تكلفهم ضجيجا ونضالات.
النقابات المهنية، مؤسسة لها مواقفها المعروفة تجاه الشأن العام، ولديها خطاب أردني ثابت في دعم قضايا قومية أو عالمية، كالقضية الفلسطينية، لكن غاب صوتها وموقفها وخطابها عما يعتبره المراقبون إنجازا حققته الحكومة في الأسبوع الماضي من خلال وزارة الزراعة، حيث تم إنشاء شركة اردنية فلسطينية لتسويق المنتجات الزراعية في البلدين، وبحصص ومساهمة وإدارة متساوية بين حكومتي البلدين، الخبر قد يبدو عاديا أو دون ذلك بالنسبة لكثيرين، لكنه يجب أن لا يكون كذلك بالنسبة لمن يملكون تاريخا، ان شئتم نضاليا في معارضة أو تأييد الدولة في مساعيها الرامية لمزيد من التعاون والدعم لفلسطين وشعبها وقضيتها، وبالنسبة لمن يمطرون وسائل الإعلام والندوات والمحاضرات بأفكار لحل مشاكل يعاني منها الشعب أو فئة منه، وكل الذي أرمي إليه من وراء سؤالي في العنوان، ينطبق على هذا الإنجاز الأردني الفلسطيني، لكن الناس (لابدين) بشكل مريب!.
أتفهم أن تختفي تنظيرات القطاع الخاص المستثمر في تسويق المنتجات الزراعية في البلدين، فالجواب السريع على هذا الموقف منهم، يكمن في أنهم يرون في الشركة الحكومية الدولية منافسا لهم، على سوق لهم فيها استثمارا وحقوقا مكتسبة، ومن مصلحتهم ابقاء الحال على ما هي عليه، فهم يعتقدون بأنهم يحتكرون السوق، وتسير مصالحهم، ولا يقبلوا مغامرات بهذه السوق تفقدهم مكتسباتهم، رغم أن الحكومتين تعتبران نفسيهما قد حققتا مطلبا زراعيا واقتصاديا وسياسيا بتأسيسهما لهذه الشركة، التي تريدان لها أن ننتقل في المستقبل الى القطاع الخاص، لكن القطاع الخاص في البلدين لم يعبر عن موقفه بعد !.
ومن بين المعتوب على تحفظهم عن التعليق على هذا الإنجاز، شخصيات سياسية وتنويرية ومختصة في مجالات سياسية وفي القطاعين الزراعي والتجاري، عبروا دوما عن أن حل مشاكل التسويق في القطاع الزراعي، يكمن في إنشاء مثل هذه الشركة، وقد ألف بعضهم كتبا ذكروا فيها هذه الفكرة على وجه التحديد، فوق التصريحات والندوات والمحاضرات والمداخلات الغزيرة، التي تنهمر علينا كما المطر، بينما هي حبيسة اليوم، تدين كل من قالها وطالب بها سابقا ثم التزم الصمت أو الحذر المريب حين تحقق ما طالبوا به!.
اخص بحديثي نقابات مهنية: الا تعتبرون هذا المشروع يخدم الزراعة في البلدين، ويحقق مطالباتكما التاريخية على صعيد العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني؟!..ما بعرف ياخي وين اختفى الكلام؟!.
وزارة الزراعة؛ بل الحكومة الأردنية والفلسطينية كذلك، أسستا بنية تحتية لشراكة حقيقية في مجال تسويق المنتجات الزراعية في البلدين، وخففتا كثيرا من الأعباء التي تواجه المزارعين والمنتجين، وهما تعقدان العزم بل تفتحان الباب على مصراعيه للقطاع الخاص بأن يستولي على كل أسهم هذه الشركة، علاوة على أن الدعم الرسمي للشركة من قبل الحكومتين متوفر حتى لو أصبحت خاصة بالكامل.
وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة، فيمكن القول بثقة إن هذا المشروع وفي حال نجاحه، سيفتح آفاقا كبيرة لتطوير القطاع الزراعي في البلدين، ويدعم فرص التنمية والاستثمار والتصنيع والإتجار بالقيمة المضافة وتطويرها، سواء أتحدث الصامتون وتخلى الحذرون عن حذرهم أو لم يفعلوا.
ولا أقول إلا كما قال عطية: هيو الميدان يا حميدان.