شهدت أسعار الذهب والفضة العالمية ارتفاعًا تاريخيًا غير مسبوق خلال الأيام الماضية، قبل أن تتراجع بشكل حاد ومفاجئ، في مشهد وصفه خبراء الاقتصاد بأنه من أكثر التحركات الدراماتيكية في أسواق المعادن الثمينة منذ سنوات طويلة.
وقال الخبير الاقتصادي منير دية لـ"صوت عمان" إن أونصة الذهب تجاوزت حاجز 4,380 دولارًا للمرة الأولى في التاريخ، بينما ارتفعت الفضة إلى أكثر من 53 دولارًا للأونصة، وهو مستوى لم تصل إليه من قبل.
وأوضح أن هذه القفزات جاءت نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية المعقدة، أبرزها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب تراجع الدولار الأمريكي بعد خفض أسعار الفائدة، مع توقعات بمزيد من الخفض خلال الفترة المقبلة.
وأضاف دية أن الوضع الاقتصادي الأمريكي تأثر أيضًا جراء الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية، والتقلبات الجيوسياسية حول العالم، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات التي سبقت وقف إطلاق النار في غزة.
وأشار إلى أن هذه التطورات دفعت المستثمرين والبنوك المركزية في عدد من الدول الكبرى مثل الصين والهند وروسيا إلى زيادة احتياطاتها من الذهب بشكل غير مسبوق، باعتباره الملاذ الآمن في أوقات الأزمات وعدم اليقين الاقتصادي.
وبيّن أن تلك الارتفاعات انعكست مباشرة على الطلب المحلي في الأردن، حيث شهد السوق إقبالًا غير معتاد من المواطنين على شراء الذهب والفضة بهدف الادخار والاستثمار، في ظل القناعة بأن المعادن الثمينة أكثر أمانًا من العملات الورقية في المرحلة الحالية.
لكن دية أشار إلى أن السوق شهد تراجعًا حادًا ومفاجئًا خلال اليومين الماضيين، إذ فقدت أونصة الذهب نحو 400 دولار من قيمتها في يوم واحد، وهو ما قد يشير إلى بداية موجة تصحيح أو انخفاض متتالي، رغم أن الأسواق العالمية ما زالت تترقب بيانات التضخم الأمريكية وقرار الفيدرالي بشأن الفائدة الأسبوع المقبل.
وأكد أن اللقاءات المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والصيني، وكذلك الأمريكي والروسي، سيكون لها تأثير مباشر على مسار الأسعار خلال الفترة المقبلة، معتبرًا أن المشهد ما زال مفتوحًا بين احتمال تصحيح مؤقت أو موجة هبوط أطول مدى.
كما حذر دية المستثمرين والمواطنين من الانجرار وراء موجة الشراء العشوائي في ظل هذه التقلبات الحادة، خاصةً مع الإقبال الكبير على معدن الفضة الذي قد يشهد تراجعًا أسرع من الذهب في حال استمرار انخفاض الأسعار.
ونصح المواطنين بـ التروي في قرارات الشراء أو البيع وعدم التعامل مع الذهب كأداة لتحقيق أرباح سريعة، بل كأصل استراتيجي طويل الأمد.
واختتم الخبير حديثه بالتأكيد على أن أسعار الذهب والفضة تبقى رهينة الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية، وأن أي تغير في قرارات الفائدة أو الاتفاقيات التجارية بين الدول الكبرى قد يؤدي إلى تحولات مفاجئة في اتجاهات السوق، داعيًا إلى الحذر من الاستثمار غير المدروس في ظل مرحلة تتسم بعدم الاستقرار.