في عالم تتغير فيه مفاهيم السيطرة والحوكمة يومًا بعد يوم بحيث لم تعد المحاسبة مجرد عملية فنية لتوثيق الأرقام وكتابتها بل تحولت إلى لسان ناطق للمسؤولية القانونية
بحيث أصبح بينهما علاقة معقدة ومتداخلة لكي تُمثل مزيجًا من الدقة الرقمية والانضباط القانوني. وهي تجعل من فهم التكامل بين المحاسبة والقانون ضرورة لا مجرد اختيار.
فالقانون يمنح المحاسبة سلطتها والمحاسبة تمد القانون بالأدلة. فالعلاقة بينهما تشبه علاقة "النصّ بالتنفيذ"، إذ ما فائدة القانون دون أداة توثق تطبيقه؟ وما فائدة المحاسبة دون قاعدة تحكم استخدامها وتحاسب المتجاوزين في نتائجها؟
إذن الجديد في هذا السياق أن العلاقة بين المحاسبة والقانون لم تعد قائمة فقط على المساءلة بعد وقوع الفعل بل تطورت إلى منظومة استباقية تمنع الفساد قبل أن يبدأ.
فمثلاً أصبح من مسؤوليات المحاسب الحديثة أن يُبلّغ عن العمليات المشبوهة لا فقط أن يُسجلها وهذا لم يكن معروفًا في السابق.
ولم تعد القوائم المالية تُكتب لتُقرأ من مديري الشركات فقط بل أصبحت وثائق قانونية ملزمة أمام القضاء وتُحاسب بموجبها مجالس الإدارة وتُلاحق بناءً عليها الجرائم الاقتصادية العابرة للحدود.
بل والأكثر تطورًا أن بعض الأنظمة القانونية باتت تعتبر الإهمال المحاسبي شكلًا من الجرم القانوني غير المباشر أي أن المحاسب قد يُدان لمجرد تجاهله لعلامات تدل على وجود تلاعب حتى لو لم يكن هو المنفذ الفعلي.
ومن جهة أخرى فإن القانون لم يعد مكتفيًا بتجريم الفعل بعد وقوعه بل بدأ يُعيد تشكيل البيئة المحاسبية من خلال فرض آليات رقابية ذكية تدمج بين تقنية المعلومات والحوكمة والمعايير الدولية لتصبح المحاسبة أداة كشف وقائية لا مجرد وسيلة تسجيل.
وعليه فإن المحاسبة أصبحت أداة "تشريعية ضمنية" داخل المؤسسة لأن كل تقرير مالي يُعد بمثابة قانون داخلي يحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات المالية.