2024-11-25 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

‎حرية التعبير أم جريمته.. أين الحد الفاصل بين حقوق الناس وحريتهم ؟

{clean_title}
صوت عمان :  

‎كتب : سلطان عبد الكريم الخلايلة

‎ تعد وسائل التواصل الاجتماعي في الدول الحديثة بمثابة مجسّات لقياس نبض الناس وأداة لاستطلاع الرأي في العديد من القضايا التي تهم مستقبل الناس، فيصبح النقاش الوطني مساراً لتحديد العديد من الملفات الهامة، ولكننا اليوم ومع الثورة المتقدمة في التكنولوجيا وعصر الذكاء الاصطناعي والانفلات الكبير في استخدام هذه الوسائل أصبحت هنالك حاجة كبيرة لإيجاد تشريعات وقوانين تراعي هذه الحداثة، بل أنها حاجة مُلحّة.

‎يعلم الجميع بأنّ الحكومة تقدّمت مؤخراً بمشروع قانون الجرائم الالكترونية ليكون رادعاً حسب قولها لكل هذه الفوضى، ولكن دون أن تُدرك أن هناك العديد من الأُمور يجب العمل عليها قبل كل ذلك الردع، والتي من الممكن أن تذهب بنا إلى عدم وجود أصوات ناقدة ومعارضة وطنية حقيقية همها الحقيقي الأردن بسبب عقوبات وغرامات تضمّنتها بعض مواد مشروع القانون بلغة فضفاضة لا يمكن قياسها بالعديد من المنشورات والآراء بمختلف الوسائل.

‎أليس هنالك طريقة يمكن أن نصل اليها لنحدد فيها الخط الفاصل بين حرية التعبير وجريمة التعبير؟ وهل تسعف المواد الفضفاضة في بنود مشروع قانون الجرائم الالكترونية على ذلك؟

‎اسمحوا لي أن ابدأ من هنا، وأتوجه بالعديد من التساؤلات المشروعة عن العبارات الفضفاضة الموجودة في المشروع؟ التي من الممكن أنْ تجرّمَ أي وجهة نظر تتعلّق بالشأن العام ؟ بالطبع، فإننا بحاجة إلى قوننة فوضى الفضاء الالكتروني، ولكن دون المساس بحق المواطن في التعبير عن رأيه، نحن لسنا بحاجة هنا أيضاً إلى مواد تحدُّ من حرية الناس في التعبير عن ما يجول في خاطرها بدون تجريح أو اساءة بكل تأكيد، كما أنه لا داعي لكل هذه المبالغ المالية الكبيرة المقترحة كغرامات في مشروع القانون، والتي يجب أن تكون عقلانية ومعقولة لتتواءم مع متطلبات المرحلة.

‎نحن في دولة تنطلق بمئويتها الثانية بمرحلة تحديث سياسي عميقة الأثر ويُراد لهذه المرحلة أن تنجح بكل معاييرها، ولكن المفارقة هنا أن الحكومة نفسها تريد من الناس أن يتحدّثوا عن هذه المرحلة، لكن دون أن يتورطوا بنقد غير بناء، وهنا علينا طرح سؤال عن تعريف النقد البناء وغير البناء وما هي "مسطرة" القياس حول ذلك؟

‎إن ما يزيد من تعقيد المشهد أننا أمام مرحلة مقبلة يُشمّر لها الأردن ساعديه عنوانها حياة حزبية من أوسع أبوابها، وستشكل فيها الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية الحكومات، كما سيظهر لنا حكومة ظل تراقب كونها لم تنجح بتشكيل حكومة أو أن تتواجد بها، وسيكون هنالك جمهور يتحدث وينتقد، ويضع الملاحظات، ولكننا أمام بنود مشروع لقانون جرائم الكترونية ستحاصر هذه البنود كل شيء، لأننا أمام نصوص فضفاضة يمكن تكييفها بالطريقة التي يريدها المسؤول، وفقاً لما يريد ووفقاً لفضاضة التشريعات.

‎إننا في هذه المرحلة بحاجة إلى مجسّات لنرى أين نقف، أما المؤكد فهو أنّ في أحضاننا العشرات من القوانين النافذة بالفعل التي يمكننا أن نستخدمها في حال تورط شخص فيما لا يجب التورط فيه، كوننا لا نريد لمناخات الخوف أن تتشكل وتنتشر، وتزيد من تلوث الجو الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فأصبح هناك حاجة ماسة لإيجاد مواد قانونية تحافظ على الأمن المجتمعي وحرية الرأي والتعبير في ذات الوقت، خصوصاً في ظل حالة النقد الكبيرة للقانون وبعض مواده من الناقدين والمعترضين الذي يعتقدون أن إقرار القانون يعني موت الحريات العامة.. نريد مقاربة من نوع آخر، أو صيغة معقولة تراعي مناخات الحرية المعاشة في بلادنا، وتعززها بالمسؤولية، لتكون حرية مسؤولة بعيدة عن تأويلات ما هو مطروح حاليا، ويجب الاستفادة من حالة النقاش العام حول مشروع القانون المقترح خدمة له.

‎نتابع دوماً خطابات جلالة الملك، وهي خطابات تحث الجميع دائمًا على التعبير عن الرأي وإبداء جميع وجهات النظر وصون الحريات العامة، ودعوني هنا أيضاً أن أُذكركم بأن اللجان الملكية للتحديث السياسي والاقتصادي والاداري لم تتشكل استناداً لأي ضغط من الشارع أو الحراك الشعبي، بل جاءت من الإيمان الملكي بضرورة التحديث وحملت الإرادة الملكية السامية في اختيار برامجها وأعضائها من مختلف فئات المجتمع وكلّ حسب اختصاصه.

‎وهذا يدعونا جميعاً لمتابعة مسارات التحديث على ذات الخُطى الملكية، ويكون هدفنا الوحيد والأسمى تحقيق النجاح والوصول إلى الأهداف المراد تحقيقها، ونحن اليوم هدفنا الوحيد والأسمى أن يكون الأردن قوياً عزيزاً يتحدث عنه الجميع لما فيه من عدالة وسيادة للقانون ولكن القانون الذي يضمن الأمن المجتمعي وحرية الرأي والتعبير وقبول وجهات النظر البنّاء .


‎كل هذا الحراك والتحشيد والتأييد والطرح المقبول لمواد مشروع القانون، يجب أن نتوجّه بها جميعاً إلى اللجنة القانونية في مجلس النواب، والتي بدأت فعلاً بحوارات وطنية داخل أروقة المجلس مع جميع الجهات والأطراف، لذا نرى الضغط انتقل من كاهل الحكومة التي لم تنظم حواراً واحداً حول مشروع القانون، إلى كاهل المؤسسة التشريعية لتهذيب مواد القانون وتجويدها بما يتوافق مع المزاج العام، باعتبارها المؤسسة التشريعية التي تُعبّر عن المواطنين وجاءت بناءً على اختيارهم.

‎مجلس الأمة سيسجل نجاحاً منقطع النظير إذا استطاع بعد المشاورات مع مختلف القطاعات في وضع حدود فاصلة بين الحرية وحقوق الآخرين، وتحويل المواد الفضفاضة في مشروع القانون إلى مواد واضحة مفهومة محددة، فلا اجتهاد في موضع النص كما تقول القاعدة القانونية، لذلك القضاة يقرأون النصوص ولا يفسرون النوايا.