معظم الذين تمت دعوتهم للمشاركة في لقاءات حوارية من أجل إنشاء أحزاب جديدة يحضرون ويشاركون في نقاش جدّي وهادف، ومن لقاء لآخر على مدى الأسابيع القليلة الماضية بدأت الأفكار المسبقة والانطباعات القديمة تتراجع إلى الخلف، وهناك ما يبعث على التفاؤل والأمل بإمكانية مراجعة الواقع الحزبي الراهن في بلدنا، وتهيئة البيئة السياسية لحراك حزبي جديد، في ضوء قانون الأحزاب المقترح من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
المهتمّون بهذه الحيوية الجديدة يدركون أكثر من أي وقت مضى أنهم مدعوّون للمشاركة الأكيدة في الحياة السياسية، وليس لإكمال العدد، أوالمجاملة على حساب مشاغلهم واهتماماتهم الأخرى؛ فلا القائمون على تلك اللقاءات الحوارية يسمحون لأنفسهم بعرض موقفهم بهذه الطريقة، ولا الملبّون للدعوات مستعدّون لإضاعة وقتهم في شأن لا يعنيهم!
تلك بدايات مبشرة لحوار وطنيّ يمهد الطريق أمام الراغبين في الانضمام للعمل الحزبي لتثبيت آرائهم حول العملية السياسية والبرلمانية التي يمكنهم المشاركة فيها ترشّحا وانتخابا إن أرادوا ذلك، ولسنا نتحدث عن حزب يتشكل اليوم ليصبح ممثّلا غدا في البرلمان، الحديث يتركز في هذه المرحلة على عمليات التفكير في مدى أهمية هذا التطور في مسيرتنا الديمقراطية، وفي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وفي انتهاج هذا السبيل للتعبير عن الطموحات الوطنية، بصورة منظمة ومؤثرة وضاغطة أيضا!
إن حجم الانتقادات في بلدنا هائل جدا، ولا يكاد يمرّ شأن ما، كبر أو صغر من دون تعليقات هي في معظمها سلبية ناقدة، ومحتقنة غاضبة، والأهم من ذلك أنها في الغالب الأعم مبنية على الريبة والشك، والأهواء الشخصية، ويبدو أنها مع الوقت تحولت إلى نوع من المزاج العام الذي يصعب مناقشته بناء على الحقائق والمعلومات الدقيقة، وتلك ليست خاصية أردنية، إنها حالة من السلبية المفرطة تكاد تسود معظم مجتمعات الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.
لكن هذا الضجيج الذي يأتي عبر منصّات التواصل الاجتماعي ليس بإمكانه في الدول الديموقراطية أن يعلوَ على الخطاب السياسي الموزون، والبرنامج المتكامل للأحزاب التي تتنافس على السلطة عبر الانتخابات الحزبية والنيابية، ويتولى الحزب الفائز بالأغلبية تشكيل الحكومة، فيما يتحول الحزب المنافس إلى معارضة على شكل " حكومة ظل " تتابع جنبا إلى جنب إدارة الشؤون العامة للبلاد، فتؤيد القرارات الصائبة، وتعارض ما تعتقد أنها تجانب الصواب، أو تتعارض مع مصالح الدولة ومواطنيها.
لن نذهب بعيدا من الخطوة الأولى، ولكن لا ينبغي أن نطيل النقاش حول تجارب الماضي، وتحفّظات الحاضر، وشكوك المستقبل، نحن اليوم أمام فرصة تاريخية تحققت بإرادة سياسية عليا، ولحاجة أو ضرورة وطنية ملحّة، تفرضها عملية التطور الموضوعي للحياة السياسية الأردنية التي يزيد عمرها على مئة عام، وتفرضها التحولات الإقليمية والدولية، والنظام العالمي الذي لا يقيم وزنا لأي دولة تتخلف عن ركب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومشاركته الفاعلة في الحياة العامة، ومنها الحياة السياسية والبرلمانية!
تبدو البدايات مبشرة في مستوى جديّة النقاشات والحوارات، وفي تقبل فكرة أحزاب جديدة، أو أحزاب قائمة يمكن أن تلتقي على رؤية مشتركة حديثة، وبرنامج سياسي اقتصادي اجتماعي واضح الملامح، محدد الاتجاه، وهناك في الضمير الوطني ما يقول كفى لتشويه الصورة وجلد الذات، وتعالوا نعمل معا من خلال الأحزاب الوطنية؛ فقد كان كلامنا حول شؤوننا العامة بلا فائدة مدة طويلة من الزمن!