2024-11-26 - الثلاثاء
00:00:00

آراء و مقالات

المسافَةُ بيننا حُلُمٌ وَ نَيِّفْ

{clean_title}
رأفت القبيلات
صوت عمان :  

 

قالت : "توهمت أنني نسيته ،

إلى أن قام صاحب المقهى

بتشغيل أغنية (ياللي هيبة حضورك)

فكذّبها راشد الماجد بطريقته المهذّبة. "

في البدء كُنتُ مجرَّدَ عابر سبيل، أمضى في طرقات عمان أناظِرُ رسماتِ الايلاينر، و أستنشقُ قليلاً من العطور الفرنسية، وأبتسم لبعضُ حسناواتِ الطرق، إلى أن شاهدتها، كانت في بادئ الأمر لها ملامِحُ امرأة فاحتلتني بكل هدوء وسكينة ( تماماِ كزيارة ماكرون لضواحي بيروت)... ثُمَّ أصبَحَتَ وَطَناً غير قابِلٍ للاحتلال.. حتى باتت وَطَناً أتلقفهُ كالجمرِ بيدي ولا يسقُطْ، حتى ولو احتَرَقَ العالَمُ أجمَعْ... فأحملها على يدي وأمضي، فأنا العاشِقُ الذي أدمَنَ الطريقْ.

هي لا تحتاجُ الكُحلَ ولا المِرأةَ

فالريحُ تغارُ منكِ

والأرضُ كفيلةٌ برائحة العطرِ!

......

في قصيدة للشاعر البرازيليّ الجميل ( إدواردو ألفيس دا كوستا ) من ديوانه (على الطريق برفقة ماياكوفسكي 1987) يقول فيها:

في اللّيلة الأولى،

تقدّموا بحذر،

سرقوا زهرةً

من حديقتِنا،

ولم نقلْ شيئًا..

في اللّيلة التّالية،

هدأ خوفُهم؛

داسوا على أزهارِنا،

قتلوا كلبَنا،

ولم نقلْ شيئًا..

إلى أن أتى يومٌ،

تجرأ أشدهم جبنًا؛

اقتحم دارَنا منفردًا،

سرق منّا الضوء،

وحين شعر بخوفِنا،

مزّق الصّوتَ في حناجرِنا

ولم يعدْ بإمكاننا قولُ شيء..

وأنا أقول : المسافَةُ بيننا الآن يا عزيزي حُلُمٌ ونَيِّفْ،

فهُي حَطّتْ البحرَ مِنْ على كَتفيْها

ومَشتْ على خُطى الرملِ نَحوي

وأعطتني الاحتلال،

كَيفَ تَستطيعينَ أنْ تَنامي الليلَ وأنا المُبَعثرُ فيكِ؟!

...........

ما عادَ يَهُمٌّني ما تَبَقّى مِنْ فَضيلَةٍ في مَدينَةِ أفلاطونَ

ولا جوعُ الكادِحينَ ولا فَلسَفَةُ المُدُنِ الكَئيبَةِ ولا طُقوسُ الحَضَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني ما تَبَقّى مِنْ طوباوِيَّةِ دِيوجينَ

ولا سُطورُ الإلْياذَةِ الجَديدِةِ في مُدُنِ المِلْحِ ولا أساطيرُ الغَجَرْ

ما عادَتتْ تَهُمٌّني فَرَضِياتُ الهَنْدَسَةِ الإقْليديَّةِ ولا نَظَرِيَّةُ الدمارِ الشامِلِ

ولا دَمَوِيَّةُ المَغولِ الجُدُدِ ولا سُيوفُ التَتَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني مَنْ اشْتقَّ الرَملِ مِنَ النَعامِ ومَنْ أضاعَ قُرّطُبَةَ

ومَنْ عَبَدَ هُبُلَ ومَنْ باعَ التُرابَ ومَنْ اقْتَلعَ الشَجَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني إنْ عَبَرَ موسى البَحْرَ وتاه أرْبَعينَ عاماً

ثُمَّ كَلَّمَ اللهَ وفي دَبّابَتِهِ كانَ السَفَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني مَنْ كَتَبَ المُعَلّقاتَ ومَنْ أَلّفَ الوَصايا العَشْرَ

ومَنْ اغْتالَ عُثْمانَ وهَلْ أيّوبُ قَدْ صَبَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني مَنْ حَرَقَ كُتُبَ إبْنِ رُشْدٍ ومَنْ اعْتَقَلَ المَعَرِّيَ

ومَنْ قَتَلَ أبا الطَيِّبِ ومَنْ كَتَبَ بَيانَ الكومونَةِ

ومَنْ أعْدَمَ روزا الجَميلَةَ وما اعْتَذَرْ

ما عادَتْ تَهُمٌّني عَدَمِيَّةُ كانْطَ ولا وجودِيَّةُ هيغلَ ولا نِسّبِيَّةُ أيْنِشْتاينَ

ولا قَصيدَةُ بوشْكينَ ولا غَرّناطِيّةُ يوركا

ولا بُحَيْرَةُ البَجَعِ ولا بَحْرُ البَقَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني ماذا كَتَبتَ في رِسالَةِ حُبِّكَ الأولى

وماذا قَرأْتَ في جِدارِيَّةٍ دَرْويشِيَّةٍ ما زالَتْ تَمْشي سِرّاً بَينَ حَبّاتْ المَطَرْ

ما عادَ يَهُمٌّني إنْ كانَ عُرّوَةُ بنُ الوردِ هُوَ الثَوْرِيُّ الحالِمُ

أمْ الإرْهابِيُّ البائِسُ آمْ شاعِرٌ دَقَّ ناقوسَ الخَطَرْ

ما عادَتْ تَهُمٌّني بَدَوِيَّةٌ جَميلَةٌ خَطَّتْ في الرَمُلِ طُقوسَ العِشْقِ

ثُمَّ عَزفَتْ لَحْنَ الحُرِّيةِ بِلا دَفْتَرِ ألْحانٍ ولا رَبابَةٍ ولا وَتَرْ

كُلُ ما يُهِمُني الآن أن أُحِبَ امرَأَةً تَصنَعُ تَاريخاً كُلَّما تَبتَسِم