يحتدم النقاش هذه الأيام داخل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية حول قانون الانتخاب وتحديدا الكوتا النسائية فيه وتحزيبها؛ الأمر الذي خلق الكثير من التشويش في داخل اللجان الفرعية ومن الأوساط السياسية والمجتمعية المعنية بحقوق المرأة.
لأبدأ من حيث القناعات التي استند عليها في أي نقاش بهذا الموضوع:
أولا: البرلمان يجب أن يستند على الأحزاب، وأي تكتلات بعيدة عن البرامجية اثبتت انها غير فاعلة.
ثانيا: طوال السنوات الماضية عانت الأردنيات بمختلف خلفياتهن الدينية والجغرافية وأصولهن ومنابتهن ولأسباب سياسية اجتماعية من إقصاء ممنهج عن الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
ثالثا: خلال كل السنوات الماضية التي حافظ فيها الاردن على وجود الكوتا النسوية، أظهرت التجربة أن النساء الأردنيات لا تصلن بمقاعد تنافسية بنسب كافية للاستغناء عن الكوتا.
هذا بحد ذاته يتضمن حقيقتين: الاولى ان الكوتا لم تكن كافية لتحفيز ثقافة انخراط المرأة في العمل السياسي. والثانية أن القانون وحده وبضوابطه هو القادر على صون الحد الأدنى من حق المرأة في المشاركة السياسية ودفع الرجال لتحفيزها، وبالتالي تطوير وتحديث المشهد السياسي لصالح تنوع جندري أكبر.
رابعا: الكوتات الأخرى (المسيحية والشيشانية والشركسية) لم تنطوِ على وصول نسوي ملحوظ لهذه المكونات الاجتماعية للبرلمان، ما يعني أن الكوتا وحدها لم تكن كافية للتقدم بمفهوم العدالة الاجتماعية مع التنوع الجندري.
انطلاقا من هذه القناعات، تقدّمتُ بمقترحٍ يتضمن مشاركة المرأة على عدة مستويات في البرلمان، يقوم أولاً على إغلاق القوائم جميعا المحلية وتلك التي على مستوى الوطن (وذلك يتضمن الحزبية بطبيعة الحال)، وإقرار النظام التبادلي في كل القوائم أيضاً، أي أن يصبح الترتيب في القوائم رجل، امرأة، رجل، امرأة إلخ والعكس صحيح.
هذا النظام يضمن مشاركة متقاربة للنساء والرجال في العملية الانتخابية، بينما تضمن القوائم الانتخابية المغلقة والعتبة الانتخابية، عدم حصول المؤامرات التي شهدناها في القوائم المفتوحة، وبالتالي وصول نساء على القوائم قبل الكوتات.
بالإضافة لذلك، طالبت بإبقاء كوتا المرأة وتوسيعها ليكون هناك مقعد لامرأة على كل دائرة في المملكة، ما يساعد أيضا على ضمان حد أدنى من المقاعد للأردنيات شابات ونساء من كل البلاد.
إلى جانب ذلك طالبت بضمان المناصفة في كوتات الاقليات (المسيحية، والشركسية والشيشانية) بما يضمن الحد الادنى من تنوع النساء في البرلمان، بما يغني ويثري التجربة البرلمانية عموما وتجربة المرأة الاردنية في البرلمان بصورة خاصة.
هذا كله يبدو التعامل معه الآن يخضع لمعايير الهدف الأكبر والذي هو تعزيز الأحزاب، وبات الحديث ينتقل من النظام التبادلي إلى فرض عملية معقدة تتضمن امرأة بين أول ثلاث اماكن في القوائم وقائمة مفتوحة ونسبية محليا واخرى مغلقة وطنيا، وهو ما قد يعني ببساطة المزيد من الاحتراب محليا داخل القوائم ومزيد من الشرذمة ومزيد من إقصاء النساء.
وبدلا من ان نرى نقاشات ترفض ذلك وتصرّ على النظام التبادلي وإغلاق كل القوائم لصالح المرأة والعمل البرامجي، نتابع نقاشا واسعا يرفض تحزيب الكوتا النسوية وكوتات الأقليات، أو يتوجس من ذلك، ما يؤشر على رغبة البعض حرف النظر عن الهدف الأسمى وهو تمكين المرأة في النظام والقانون المعنيان بالانتخاب.
تحزيب النساء نتيجة حتمية لنظام انتخابي يربط الترشح بالعدالة بين الجنسين، وبالتالي يضيف تحزيب الكوتا للنساء ولا ينتقص منهن، ولكن ذلك يجب ان يقترن بنظام يعزز المرأة برلمانيا وسياسيا ولا يضع معادلات حسابية وشروطاً تقضم حقها بالوصول المتساوي للعمل البرلماني.