2024-11-26 - الثلاثاء
00:00:00

آراء و مقالات

والمتنمّرون في النار... عودة إلى جاهليتنا الأولى !

{clean_title}
الدكتورة رهام زهير المومني
صوت عمان :  

كثيرا ما نسمع عن صعوبات واجهت أشخاص جعلت منهم بائسين، محبطين، ومرغمين على قبول ما هو مقبول عُرفيا وغير مقبول عَقليا، فإجتهدوا ووصلوا إلى ما طمحوا إليه، ومنهم لم يستطيع فأصبحوا متمردين بفضائهم الواسع، متنمرين على بعضهم البعض أو على فئة معينة لأهداف معينة، الكثير واجه في حياته بعض أو كُل من أذى نفسي أو جسدي وإلتقى متنمرين على أنفسهم قبل غيرهم، إبتداءً من الأسرة وإنتهاءً بالمجتمع الذي ترى فيه العجبَ العُجاب، فظهرت سلوكيات جديدة أصبحت تشكل أَرق وعدم راحة للكثير، ومنها ظاهرة التنمر التي إنتشرت إنتشاراً واسعا وغزت كثير من المناطق لتعطي إشارة أن ناقوس الخطر بدأ يقرع أجراسه في مجتمع متعب ومستنفذ قُواه، وخاصة في زمن الكورونا التي أعادت ولادة هذه الظاهرة العنيفة.

التنمر بإختصار هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من فرد أو مجموعه لفرد أو مجموعه أخرى أضعف جسديا، والتنمر عدة أنواع وكل نوع يتميز عن غيره بالفئة التي يستهدفها والطريقة التي توجه لها، وأول نوع هو التنمر الجسدي، فالضرب والعرقلة مثال حي لما نراه في المدارس والجامعات والأحياء الشعبية، وإذا أخذنا حيث أثبتت المدارس أنها المكان الأنسب لممارسة التنمر من الطلاب على بعضهم البعض، فالطالب المتنمر يضرب الطالب المستهدف وقد يشتمه أو يهدده فبذلك مارس النوع الثاني عليه والذي يسمى التنمر اللفظي، وقد يحرجه أمام زملاءه ويسيء إلى سمعته، أو يجعل الأطفال ينبذونه وينظرون إليه نظره سيئة فيكون إستخدم معه التنمر الإجتماعي، وإذا حاول الطفل الشكوى لمعلمه أو تصرف تصرف لم يعجب المتنمر، سيعاقبه بحركات جنسية غير لائقة فيكون مارس التنمر الجنسي عليه، وإذا لم يعجبه شكله او دينه أو عِرقه، فيكون إستخدم التنمر العِرقي، وعندما يحاول المتنمر أن يوقع الضحية بأي مشكلة فيكون بيده صورة أو رسالة يبتز بها الضحية ويهدده بفضحه ووضعهم على مواقع التواصل الإجتماعي بهذا مارس نوع التنمر على الإنترنت وحقق رغبته الداخليه بالإنتصار.

التنمر برأيي لا يقتصر على تلك الأنواع إنما يتعدى أمورا كثيرا نراها كل يوم في حياتنا، فوجود أشخاص يدّعون الصراحة المطلقة ولسانهم سليط بحجة حرية الرأي ومن دون إحترام لخصوصية الآخر يعتبر تنمر وقح، ورأي أحدهم على بوست على صفحات التواصل الإجتماعي دون أدنى إعتبار للحد الأدنى من أخلاقيات الرد يعتبر تنمر إعلامي، مدير يستغل وظيفته وموظفه يكون تنمر وظيفي، تفضيل الأب للأخ عن الأخت بالمعاملة والميراث يعتبر تنمر عائلي، سائق لم يعجبه قيادة غيره فيبدأ بالسباق والشتائم تنمر همجي، وآخر يفقد السيطرة بمكالمة هاتفيه يشكي على أحدهم، وأكثر ما يزعجني تنمر الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي الذي أصبحت وسيلة سهلة لبث السموم والأفكار الخارجة عن قيمنا وعاداتنا الحميدة والقانون.

أسباب هذه الظاهرة كثيره منها شعور المتنمر بالوحدة وبعدم أهميته، وممكن أن المتنمر أصلاً ضحية تنمّر سابق، وغيرته وتعجرفه والمشاكل العائلية والتفكك الأسري التي جعلته يبحث عن مجموعة تشبهه، لذلك يجب علينا أن نعطي هذه الظاهرة إهتمام شديد ونربي أولادنا بعيداً عن العنف والتنمر وتوعيتهم منذ الصغر وتعزيز الثقه بأنفسهم وتدريبهم على الدفاع عن أنفسهم، وتجنب المتنمرين وعدم التواجد معهم وإظهار القوة ومعرفة نوع التنمّر لنعرف كيف نتعامل مع الشخص أو نتفاداه.

يجب نشر التوعية للتبلّيغ عن المتنمّر للأهل والسلطات المعنية في حال التنمّر الجنسي أو عبر الإنترنت وفي حال التنمّر عبر الإنترنت أو الهاتف يجب العمل على إلغاء رقم الشخص وعدم مصادقة من لا تعرفهم عبر الإنترنت وعدم إعطاء معلوماتك الخاصة لأحد.

لسنا في هذا العالم الأفضل ولا ندعي الكمال، فعندنا من المشاكل والظروف ما تجعلنا ضعاف أحيانا لكن يجب ان يكون عندنا القدرة على السيطرة على مشاعرنا وسلوكنا لأن المحاسبة ستكون بنتاج كلامنا وأعمالنا، فالتنمر عادة ترجعنا إلى زمن الجاهلية والتخلف، وما أحوجنا في هذا الوقت إلى الصعود للقمر لا أن نُدفن بالقاع.