وحده ، جلالة الملك مَنْ يستطيع أن يطمئننا على أن مسيرة الإصلاح الشامل في بلدنا قد انطلقت فعلا ، بأنها استلهمت نموذجها من التقاء الإرادتين إرادة الناس وإرادة القيادة ، حيث لا اختلاف بينهما ولا تعارض ، ووحده جلالة الملك من يستطيع ان يضع «المرتكزات» الأساسية لمرحلة التحول الديمقراطي بكل ما تحتاجه من إصلاحات دستورية وتشريعية ومن استراتيجيات أمنية واقتصادية ومن مقررات تعيد ترسيم حدود العلاقة بين مكونات الدولة وعناصرها المتعددة.
الأردنيون كلهم ، يعلقون آمالهم على جلالة الملك ويثقون بقدرته على إمساك زمام المبادرة وبرؤيته للإصلاح المنشود ، وبما يمثله من «رمزية» في وجدانهم وذاكرتهم ، ولأنهم جميعا لا يختلفون على النظام ولا على «البيعة» ولا على الانتماء والإخلاص الذي اقسموا عليه فإنهم يتطلعون كلما مرت بهم «أزمة» ، او راودهم حلم في التغيير او أصابهم مكروه الى «المقر» مطالبين وملتفين شاكين وملتمسين وفي يقينهم انه لن يخذلهم او يغلق الأبواب أمامهم.
يدرك الأردنيون تماما أن الحكومات التي جربوها وفقدوا ثقتهم بها لا تستطيع ان تضع لهم «إصلاحا» يرتقي الى طموحاتهم ، وان المؤسسات الوطنية التي «أرهقتها» صراعات النفوذ واشتباكات المصالح غير مؤهلة لإدارة المرحلة الجديدة والتكيف مع متغيراتها الملحة ، ولهذا فهم يبحثون عن «خيمة» ملكية لحواراتهم وعن «وصفة» ملكية للإصلاح الذي يطمحون اليه وعن «حماية» ملكية للحريات التي ينشدونها والحقوق والمطالب التي يهتفون من اجلها في الشارع.
يعرف الذين يطالبون اليوم بالإصلاحات الدستورية وبالحكومة البرلمانية وبرفع الوصاية عن المجتمع ان الملك سبقهم منذ سنوات الى ذلك ودعا الى حكومة مسئولة تشكلها الأغلبية البرلمانية والى «حرية سقفها السماء» والى «برلمان» جديد يفرزه قانون «انتخاب» يحترم التعددية ، والى «حرب» على الفساد والى فصل حقيقي بين السلطات ، وهذه كلها في صميم مرتكزات «وصفة» الإصلاح التي يطالب بها الناس ويحتجون من اجل تحقيقها ، ولكن يبقى السؤال: لماذا لا تتحرك الحكومة والمؤسسات الوطنية الأخرى في اتجاه ما يفكر به الملك وما يدعو اليه ، لماذا نتباطأ في الدخول مباشرة الى «العناوين» التي لا يختلف عليها احد ، لماذا نصر على إدامة «الأزمة» مع ان الحلول امامنا واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من «الاستبصار».
الملك يريد الإصلاح ، والناس تطالب بالإصلاح ، فماذا ننتظر اذن وعلام نختلف؟ اعتقد ان المشكلة ليست في المطالبات وسقوفها ، ولا في «إرادة» الإصلاح التي أصبحت خياراً واضطراراً معاً ، ولا «التوافق» الوطني على ما نريده في هذه المرحلة ، وإنما المشكلة تتعلق «بالثقة»: ثقة الناس بالحكومات والمؤسسات ودورها ، وثقة الناس بالحاضر والمستقبل وهذه لا حل لها الا عندما يثق الأردنيون كلهم به ، وهو جلالة الملك ، لأنه وحده من يستطيع ان يقدم لهم «وصفة» الإصلاح الحقيقي ، بخطوطه ومرتكزاته ، وان يجمعهم على طاولة الحوار مهما اختلفت تصوراتهم ، وان يخرج بلدنا من زحمة السجالات والهتافات إلى بر الوحدة والتماسك والأمان.
باختصار ، لأن الأردنيين كلهم يثقون بجلالة الملك ، فإنهم يتطلعون الى وصفة «اصلاح» ملكية.. وصفة عابرة للحكومات والنخب والمؤسسات ولكل المطالب أيضاً.