قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن المأساة الحالية في غزة هي نتيجة لفشل سياسي وأخلاقي عالمي دام عقداً من الزمن، والذي يدفع الإسرائيليون والفلسطينيون ثمناً باهظاً بسببه، وسيستمر هذا السعر في الارتفاع إذا فشلنا في التصرف.
وأضاف في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن المجتمع الدولي ألزم نفسه رسميا على مدى عقود بحل الدولتين، لكن من دون وضع خارطة طريق لتحقيق هذا الحل بفعالية، "بينما كانت كلا المعسكرين، قوى الإنكار تنمو باستمرار تحت غطرسة البعض ويأس البعض الآخر".
وأضاف أنه بسبب اتفاقيات إبراهام، اعتقد الكثيرون أنه يمكن التحايل على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أن بدد 7 تشرين الأول هذا الوهم، وزاد "علينا هذه المرة، أن نضع حدا لحلقة العنف المفرغة، وإلا فإنه سيستمر من جيل إلى جيل، من جنازة إلى جنازة".
وقال إنه أتى إلى المنطقة للمساعدة على وجه التحديد في منع حدوث ذلك، ولعرض مساعدة الاتحاد الأوروبي على شركائه الإقليميين للتخفيف الفوري من آلام سكان غزة والرهائن، وللمساعدة في تجنب امتداد الصراع ولإنقاذ حياة المدنيين و الاستعداد لسلام عادل ومستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفي المنطقة" وهذه الحرب يجب أن تكون الأخيرة".
وفي رده على سؤال حول تباين مواقف دول الاتحاد من وقف إطلاق النار، قال "الاتحاد يضم 27 دولة كانت لعدة قرون في حالة حرب مع بعضها بعضا مع أنهار من الدماء وملايين القتلى لكننا الآن نعيش في سلام منذ ما يقرب من 80 عامًا".
وأضاف "الاتحاد الأوروبي يشكل الدليل الحي على أنه من الممكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ومع ذلك، ما تزال لدى دول الاتحاد وجهات نظر مختلفة في كثير من الأحيان حول العديد من القضايا بسبب اختلاف تاريخها وثقافاتها وجغرافياتها وهذا هو الحال بالفعل أيضًا فيما يتعلق ببعض جوانب الأزمة الحالية في غزة".
وأكد أن جميع دول الاتحاد الأوروبي متحدة حول المواضيع الأساسية: الحاجة الملحة لوضع حد للوضع الإنساني المأساوي للسكان المدنيين في غزة، واستئناف العملية السياسية التي تؤدي إلى حل الدولتين.
وفيما يتعلق بعدم إدانة دول الاتحاد لاستهداف إسرائيل المدنيين النازحين الى جنوب غزة والمستشفيات ومدارس الاونروا، قال
"إننا بحاجة واضحة إلى تحسين تواصلنا مع ما نقوله وما نفعله".
وقال إن بيان الاتحاد الأخير أشار بوضوح إلى أن "القانون الإنساني الدولي ينص على وجوب حماية المستشفيات والمدنيين داخلها وتزويدها فورا بالإمدادات الطبية الأكثر إلحاحًا، وإجلاء المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة بأمان"
وأضاف "نحث إسرائيل على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لضمان حماية المدنيين" مشيرا إلى أنه عندما قصف المستشفى الميداني الأردني في غزة أخيرا، ما أدى إلى إصابة سبعة أفراد من الطاقم الطبي الأردني، أدان المتحدث الرسمي باسمي هذا الهجوم علنًا".
وقال "ندعم بشكل متكرر، بما في ذلك الدعم المالي، العمل الصعب والأساسي للغاية الذي تقوم به الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى على الأرض في غزة، وننتقد الهجمات ضد منشآتها، وينطبق الشيء نفسه على التهجير القسري للفلسطينيين".
و حول تصريحه أن الدول العربية يجب أن يكون لها دور كبير بعد انتهاء الحرب في غزة، قال "لسوء الحظ، ليس هذا هو الحال في الوقت الحالي، لكن بمجرد أن يتم تعزيز الوضع الإنساني أخيرًا في غزة، سيتعين علينا بالفعل الانتقال إلى السياسة، لقد قدمت لمحاوري في إسرائيل وفلسطين والخليج بعض الأفكار الأولية بشأن المستقبل المحتمل لغزة".
وأضاف "نعارض التهجير القسري لسكان غزة إلى بلدان أخرى، أو بتر أراضيها، أو إعادة احتلالها من قبل إسرائيل، أو عودة حماس إلى حكم القطاع، ولا نريد أيضاً فصل غزة عن القضية الفلسطينية برمتها، ويجب حلها ككل".
وتابع "نؤيد عودة السلطة الفلسطينية في غزة، ضمن الشروط التي حددها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن السلطة ستحتاج بالتأكيد إلى الدعم لفترة انتقالية، لذلك، فإننا نشجع على مشاركة أقوى من جانب الدول العربية التي تحظى بثقة كل من الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية".
وأكد أن التوصل إلى حل دائم يتطلب التزامهم، وتابع "أنا لا أتحدث هنا عن الالتزام المالي فقط، لكن مشاركتهم لا يمكن أن تكون غاية في حد ذاتها، بل يجب أن تكون خطوة على طريق واضح نحو الدولة الفلسطينية".
وقال "نحتاج أيضا إلى مشاركة أكبر من جانب الاتحاد الأوروبي، وليس فقط للمساعدة في إعادة بناء غزة كما فعلنا مرات عديدة، لكن للمساعدة في بناء دولة فلسطينية كاملة السيادة، قادرة على استعادة كرامة الفلسطينيين وصنع السلام مع إسرائيل"، مشيرا إلى أن الاتحاد بوسعه أيضاً أن يساعد في ضمان أمن إسرائيل وفلسطين.
واكد أن الاتحاد" يحث إسرائيل باستمرار على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من أجل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وتجنب على وجه الخصوص قصف المنشآت المدنية".
وقال "ذكرنا بوضوح أن قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عن السكان المحاصرين في غزة ليس أمرا مقبولا" مبينا أن الاتحاد ضاعف مساعداته الإنسانية لغزة أربع مرات لتصل إلى 100 مليون يورو، ونظم جسرا جويا لجلب منتجات تشتد الحاجة إليها إلى رفح في مصر وطالب بهدنة إنسانية، وبفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع الأشخاص المحتاجين في قطاع غزة، وإجلاء الجرحى والمرضى والرعايا الأجانب، بما في ذلك من خلال فتح نقاط عبور إضافية.
وقال "ندرس أيضًا إمكانية إنشاء ممر بحري على النحو الذي اقترحته قبرص، الدولة العضو في الاتحاد، مع إدراكنا تمام الادراك أن هذا المبلغ ليس قريبًا بدرجة كافية مما هو مطلوب نظرًا للمعاناة الهائلة التي يتحملها السكان المدنيون في غزة، لكننا نفعل ما في وسعنا للمساعدة في تخفيف آلامهم".
وأكد بوريل أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الأردن شريكا مهما للغاية في المنطقة، وهو أكثر صدقاً في ظل الظروف الحالية، نظراً لدوره في المساعدة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبين أن الاتحاد الأوروبي قدم على مدى السنوات الثلاث الماضية للأردن نحو 2.5 مليار يورو (2 مليار دينار) في شكل منح وقروض ميسرة ومساعدات مالية كلية في مجالات مثل تنمية القطاع الخاص والتعليم والصحة، بالإضافة إلى استجابة الاتحاد الأوروبي لأزمة اللاجئين السوريين، مؤكدا أنه يمكن للأردن أن يعتمد على الاتحاد لمواصلة دعمه على جميع المستويات السياسية والأمنية والمساعدات الإنسانية والتنمية.
وأكد أن خط نقل المياه بين العقبة وعمان يعد أمرًا حيويًا للأمن المائي المستقبلي للأردن، وهذا هو السبب وراء كونه مشروعًا رائدًا للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والأردن.
وأشار إلى زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى بروكسل قبل أيام، والتي جرى خلالها التوقيع على منح بقيمة تقارب 100 مليون يورو لدعم الأردن، وسيتم دمجها مع قرض بقيمة 300 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوروبي.
وقال "ندعم اللاجئين السوريين في الأردن منذ عام 2011 وسنواصل هذا الجهد، إذ تقدم المفوضية الأوروبية حوالي 100 مليون يورو سنويا لهذا الغرض.
وأشار الى أن الحرب أكدت مرة أخرى الدور الحاسم الذي تلعبه الأونروا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة وفي أماكن أخرى من المنطقة وفي الأردن على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن الاتحاد يدعم الأونروا ماليا وسياسيا وسيواصل القيام بذلك.