لم يكن الأردن يوما بمنأى عن الأزمات والتحديات العالمية التي ألمت في الاقتصاد العالمي، إلا أنه استطاع من خلال قوة وصلابة الاقتصاد الوطني، والسياسة المالية والنقدية التي قادها البنك المركزي من النجاح في تسجيل معدل تضخم بلغ 2.13 بالمئة وهو من أقل معدلات التضخم في العالم.
وكان محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور عادل شركس، قد أكد في وقت سابق أن التزام الأردن بالإصلاحات المالية والنقدية ساهم في المحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني، ولهذا السبب سجلت المملكة معدل تضخم يعتبر من بين أقل معدلات التضخم في المنطقة والعالم.
وارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك "التضخم" منذ مطلع العام الحالي حتى نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، بنسبة 2.13 بالمئة، ليصل إلى 108.95 نقطة مقابل 106.68 للفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، أن التضخم يعد حاليا ظاهرة عالمية بسبب الأوضاع الاقتصادية الي يمر بها العالم من ازمات اقتصادية وحروب خاصة ما خلفته جائحة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية وأخيرا الحرب على غزة.
وقال إن الإجراءات التي تم اتخاذها من جانب البنك المركزي كانت فعالة واستطاعت أن تكبح جماح التضخم وأن تخفض نسبته بشكل واضح، مشيرا إلى أن أغلب الدول بشكل عام تسعى إلى الحفاظ على نسبة تضخم بحدود 2 بالمئة، وهي النسبة التي تساعد في تحقيق نمو اقتصادي وتوليد فرص عمل وتعتبر ظاهرة صحية، وهذا يعني أن الأردن استطاع أن يحافظ على نسب تضخم متدنية مقارنة بالدول الأخرى والتي سجل بعضها نسب تضخم من خانتين مئويتين.
واضاف أن الارتفاع الحاد في التضخم يؤدي إلى العديد من المصاعب والتحديات الاقتصادية، بما في ذلك تراجع القوة الشرائية للعملة المحلية وتراجع مستوى معيشة المواطنين، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الفائدة ما يعني التأثير سلبا على الاستثمار وزيادة كلفة المنتجات المحلية، مبينا أن السياسات النقدية تعمل عادة على مكافحة التضخم الجامح عبر الأدوات والإجراءات التي يقوم بها البنك المركزي وذلك للحفاظ على الاستقرار النقدي وتحقيق استقرار المستوى العام للأسعار.
واشار أبو حمور الى أن سياسة مكافحة التضخم في الأردن حققت نتائج إيجابية، ونحن بحاجة للاستمرار في تطبيق هذه السياسات مع الاخذ في الاعتبار توفير الظروف الملائمة لتحسين البيئة الاستثمارية وتخفيض كلف التمويل لتحفيز الاستثمارات النوعية التي تولد فرص العمل وتحسن حياة المواطنين.
من جهته، قال ممثل قطاع الصناعات الغذائية والتموينية والثروة الحيوانية في غرفة صناعة الأردن محمد وليد الجيطان إنه رغم ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك لمجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية التي سجلت زيادة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي والذي لم يتعد حاجز 0.5 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، الا أن هناك العديد من البنود داخل تلك المجموعة قد حققت انخفاضا في مستوى الأسعار خلال الفترة ذاتها، أبرزها الخضروات والبقوليات الجافة والمعلبة والفواكه والمكسرات واللحوم والدواجن والأسماك وغيرها من المنتجات الغذائية الأخرى.
وأضاف انه لم نشهد أية ارتفاعات كبيرة في أسعار الغذاء الوطني، خلال العام الحالي، بل بقيت قريبة من مستوياتها خلال العام الماضي، بالرغم من اعتماد الصناعات الغذائية الوطنية بشكل كبير على استيراد المواد الخام والأولية من الخارج وارتباطها في الأسعار العالمية التي شهدت تقلبات كبيرة نتيجة التداعيات والأزمات العالمية، إلى جانب ارتفاع كلف الإنتاج محليا.
ولفت الجيطان إلى أن تلك الاستجابة المتواضعة في أسعار الغذاء الوطنية تعزى لعدد من الأسباب أبرزها، المخزون الإستراتيجي الكافي لعدد من منتجات الصناعات الغذائية الأساسية، الأمر الذي يؤكد على استقرار السوق المحلية، بالإضافة إلى التنافسية الشديدة التي يتمتع بها قطاع المنتجات الغذائية داخل السوق المحلي على عكس ما يروج عنه.
وبين انه لضمان الاستمرار على تلك الوتيرة، هناك ضرورة قصوى للبدء بالعمل على بناء خطة استراتيجية لتفادي الأزمات والتداعيات المحيطة على الاقتصاد الوطني وقطاعاته كخطوة يمكن أن تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والنمو والاستقرار في ظل الأوضاع الحالية والسير على توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني التي عكست رؤيته الثاقبة ونظرته للمستقبل لتحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي.
وأكد الجيطان الذي يشغل كذلك منصب نائب رئيس غرفة صناعة الأردن، أن هذا يتطلب منا اليوم اجراءات فورية وخطط تحوط، والتركيز على زيادة المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية بشكل فوري والبحث عن طرق بديلة لسلاسل التوريد من السلع والمنتجات الاستراتيجية حتى نكون على استعداد لجميع السيناريوهات المستقبلية، والتخفيف من وطأه اي حدث.
واشار إلى العمل على زيادة الدعم على مستوى القرارات والقوانين، وإيجاد حلول لقضايا الكلف والطاقة، والاسراع بمشروع مد الغاز إلى جميع المدن والتجمعات الصناعية، لما له من عامل اساس في خفض الكلف ورفع التنافسية، إضافة إلى تعزيز عمليات التنمية المستدامة والطاقة البديلة، وتوفير الحوافز والممكنات لتمكين القطاعات الاقتصادية والقطاع الصناعي من جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، بهدف تفادي أية آثار يمكن أن تطالها.
وأشار الجيطان إلى ضرورة الاستفادة من مشروع موازنة العام 2024 الذي تضمن العديد من البنود المتعلقة بتعزيز المخزون الاستراتيجي للعديد من المواد الغذائية الأساسية (المواد الخام)، كالحبوب، وهذا محفز لتطوير ودعم الصناعات الغذائية، وبالتالي تعزيز الحفاظ على ديمومة سلسلة التوريد الغذائية وتحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الغذائية الأساسية، والتي ستشكل عاملا ايجابيا في تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية في الأسواق المحلية والعالمية.
وذكر ان مؤشر أسعار المستهلك لمجموعة الألبان ومنتجاته والبيض شهد ارتفاعا خلال العام الحالي ليصل مع نهاية شهر تشرين الثاني الماضي إلى ما نسبته 5.95 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مرجعا ذلك للعديد من التداعيات التي تعرضت لها هذه الصناعات بشكل كبير خلال 2023 أبرزها، مرض الحمى القلاعية الذي تسبب في تراجع كميات الإنتاج وارتفاع أسعار حليب الأبقار التي تعد مدخل انتاج اساسي في صناعات الألبان والأجبان ومنتجاتها.
وتابع، أنه بالرغم من ذلك بقي قطاع الصناعات الغذائية في الأردن مصدرا للعديد من الأصناف الغذائية المتنوعة القادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي الأساسية بالجودة والكميات المطلوبة، وهذا ما تؤكده نسبة تغطية الصناعات الوطنية الغذائية لأكثر من 60 بالمئة من حجم السوق المحلية، ما أدى لتلك الاستجابة المتواضعة لمستويات الأسعار.
ونوه الجيطان بأن إنتاج بعض السلع الغذائية وصل لحد الاكتفاء الذاتي محليا على غرار الالبان ومنتجاتها وبيض المائدة والدجاج واللحوم المصنعة والمخبوزات والحلويات وغيرها، بالاضافة الى اكتفاء شبه ذاتي من بعض الصناعات على غرار الطحينية والحلاوة والمعلبات وغيرها، مبينا أن كل هذا ينبع من القدرات الانتاجية الضخمة والقدرة على تلبية وسد حاجات المواطنين من السلع الغذائية الأساسية.