احد أكثر التعليقات في الأردن التي يجمع عليها الناس، أن كل من يأتي للسلطة التنفيذية، هم من الدائرة ذاتها، والكل يجمع على أن الحلول لا تنجز لمعظلات الوطن، ذلك بحسب المعلقين بأن الاداوت تأتي بها الدولة تكون من نفس العلبة. هذا امر لم يكن موجودا في حقبة التنمية الأردنية خلال عقود الستينيات والسبيعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، والتي كانت (أي التنمية الشاملة) بديلا موضوعيا للدولة امام جمهورها عن مطلب الديمقراطية. والغريب أننا في حقبة التحول الديمقراطي شهدنا التراجع عن تلك الحالة، فقزت نخبة متغربنة تلقت تعليم غربي من جماعات الاصدقاء، او ممن جاءت بنظام تمثيل الجهويات والجغرافيا وهؤلاء كانوا بخبرات غير ابداعية للحلول من جهاز الدولة المتعدد المؤسسات.
صحيح أن ذلك قد يبدو مستمر الوجود، وأن داوئر الانتماء المؤثرة في الدخول إلى النخبة السياسية في الأردن، هي ذاتها: معارف اصدقاء بيروقراط او اساتذة جامعات يغطون تلك الجغرافيا والداوئر بما تحتاجه من وجوه تمثيلية لها، تعزز تأثير نظام المحاصصة والجغرافيا، وتلك الطريقة ناتجة بسبب غياب حياة حزبية وسياسية وديمقراطية ناجزة.
إذ يصبح الأمر لدى أي رئيس سلطة سواء رئيس حكومة او هيئة او جامعة او حتى التعينات او الترقيات تأخذ بمبدأ الجغرافيا ومراعات التكوين الاجتماعي. وبهذا يعاد انتاج ذات الخيارات او بنظام التمثيل الممثل لها، فيقع الخطأ وتهاجر الكفاءات.
في المبادئ العامة المستقرة فكريا للمواطنة أنها حقوق ووجبات، ولما كانت الدولة باجهزتها تقدم الحقوق، فإن جانب الواجبات موكول للمواطن. لكن ذلك التمسك بهذه الثنائية والابقاء عليه يجعل من السهل اقصاء اهمية المعطى الثقافي والقيمي والتربوي الذي يؤسس لاستباب الديمقراطية.
بالتالي، من المهم هناك التاكيد على تفكيك بنية النخبة الساسية او جماعات السلطة، المستندة عادة للدعم الجهوي والجغرافي او العلاقات الخاصة، بـتأسيس حالة نقدية وممارسة فاعلة لمجال التأثير الفاعل لما هو غير دستوريو قانوني، والمقصود هنا بالثقافة والتربية والإعلام وادوار المجتمع المتعددة التي تؤسس لمبدأ الشراكة في القرارات والتفاعل الايجابي. بحيث تسهم مؤسسات المجتمع وثقافته بتنزيل القانون ومؤسساته الدستورية إلى حيز الفاعل الاجتماعي السياسي الذي يختصر دور الدولة بمؤسساتها.
المواطنة هي ثمرة تشييد بناء الدولة الحديثة، لذلك يجب اعادة تعريف الممارسة المواطنية بما يجعل بناء الأداور الجديدة للمجتمع ممكنة، وبما يعزز ثقافة التغيير وبما يحول دون احتكار جماعة الاصدقاء والمعارف لكل منافذ التحديث والتغيير الديمقراطي أو في الوصول إلى دور الفاعل في الجهاز التنفيذي.
إن الوضع الراهن في الأردن، لا يشهد احتراما كافيا لمبدأ الفرصة المواطنية، التي تجعل الكل الوطني قادر على المشاركة، وقادر على خلق التوافقات، ذلك أن مفهوم المواطنة تطور اليوم عن فلسفة القرنين الثامن والتاسع عشر بالتحول عن مبدأي الحقوق والواجبات، إلى مسار جديد نشهده اليوم في تطور الحقوق النضالية عند الناس لنيل حقوقهم بأشكال شتى من التعبير الجمعي الذي يدافع ويرفع شعارات ضد التهميش والفقر والبطالة وغياب التنمية.
تلك حالة تحتاج تدريب وتأهيل واداخال قيادات جيدة للنخبة السياسية الفاعلة، تكون محصنة معرفيا، وتعرف الجغرافيا الأردنية وتسبر مكونات المجتمع، وتكون بعقليات مرنة منفتحة وتقرّ بأن صوت الناس إذا ارتفع فمعناه أن لاتواصل حقيقي معهم يحترم ظروفهم ويقدر معاناتهم.