2024-11-26 - الثلاثاء
00:00:00

منوعات

كيف تبدو لحظة الاقتراب من الموت؟

{clean_title}
صوت عمان :  


يفيد بعض الأشخاص الذين مروا بتجربة الاقتراب من الموت (NDE) عادة بأنهم شعروا بالسلام والراحة والهدوء طوال المحنة.

ربما تكون هذه طريقة الدماغ للتصالح مع فنائه. أو ربما يحدث شيء أكثر تعقيدا.

يوجد لدى العلماء عدة نظريات لشرح بعض الأحاسيس المدهشة المرتبطة بتجارب الاقتراب من الموت، مثل التغيرات الفسيولوجية في الدماغ مع موت خلايا الدماغ.

وقال الدكتور بروس جريسون، أستاذ الطب النفسي وعلوم السلوك العصبي بجامعة فيرجينيا والمؤسس المشارك للرابطة الدولية لدراسات الاقتراب من الموت، إن الكثير عن تجارب الاقتراب من الموت يظل لغزا، جزئيا، لأن من المستحيل عمليا الدراسة في الوقت الفعلي.

ويجب أن يعتمد الباحثون على الحكايات، واسترجاع الذاكرة، وفي بعض الحالات، الدراسات على الحيوانات لفهم كيفية تغير الأدمغة من تجربة الاقتراب من الموت وما قد يعنيه ذلك بالنسبة للطب المستقبلي.

كيف تبدو تجربة الاقتراب من الموت؟

عندما يتعلق الأمر بوصف تجارب الاقتراب من الموت، فهناك وجهان للعملة: ما يحدث لك جسديا مقابل ما تدركه على المستوى النفسي.

جسديا، ترتبط تجارب الاقتراب من الموت عادة بأحداث مؤلمة للغاية، بما في ذلك إصابة في الرأس أو نوبة قلبية أو توقف التنفس.

لكن من الناحية النفسية، يميل الدماغ إلى إيقاف الإحساس بالألم - أو على الأقل تذكره.

على سبيل المثال، قالت جوليا نيكولسون - المديرة التنفيذية السابقة وخبيرة القيادة التنفيذية ومستشارة الأعمال - إنها رأت وجوه أحبائها تلمع بوضوح أمام عينيها، واحدة تلو الأخرى، خلال حادث سيارة شبه مميت في عام 1980.

وقالت مؤخرا: "لا أتذكر أنني شعرت بأي ألم حتى وصلت إلى المستشفى".

وتعتبر رؤية الأحباء - المتوفين أو الأحياء - أمرا شائعا بين تجارب الاقتراب من الموت، كما هو الحال مع رؤية ضوء ساطع في نهاية النفق.

وأفاد أشخاص آخرون بمزيد من الأحاسيس الجسدية مثل مغادرة أجسادهم، أو الطفو فوقها، أو الشعور بالانجذاب جسديا إلى ذلك النفق مع وجود الضوء في نهايته، أو لقاء روحي مع كائن أسمى، أو كائنات فضائية، أو أحبائهم المفقودين.

وطوال الوقت، خلال هذه التجارب الدنيوية الأخرى، نادرا ما يبلغ الناس عن شعورهم بالخوف أو الألم - عادة ما يكون ذلك شعورا ساحقا بالهدوء والحب. وبعض هذه الظواهر لا يمكن تفسيرها بالعلم - على الأقل حتى الآن. ولكن في عام 2022، تلقى مجتمع أبحاث تجربة الاقتراب من الموت شيئا لم يشهده من قبل: فحص دماغ رجل يحتضر.

وكشف النقاب عن بعض الأسرار التي، حتى تلك اللحظة، كان بإمكان العلماء فقط التكهن بها.

مسح دماغ رجل يحتضر

في عام 2016، تم توصيل رجل يبلغ من العمر 87 عاما بجهاز تخطيط كهربية الدماغ، عندما أصيب بنوبة قلبية بشكل غير متوقع وتوفي.

ونشر الباحثون النتائج لاحقا في مجلة Frontiers of Aging Neuroscience.

ويقيس مخطط كهربية الدماغ الإشارات الكهربائية التي ينتجها الدماغ للمساعدة في تشخيص أو فحص بعض الحالات العصبية مثل النوبات وفقدان الذاكرة.

ومن المؤكد أن الأطباء كانوا يراقبون الرجل بحثا عن سلسلة من النوبات الأخيرة عندما توقف قلبه فجأة عن النبض.

وفي الورقة البحثية، أفاد الباحثون أنه خلال الـ 15 ثانية التي سبقت النوبة القلبية للرجل، كشف مسح EEG عن موجات دماغية عالية التردد تسمى تذبذبات غاما، والتي يعتقد أنها تلعب دورا في تكوين الذكريات واستعادتها.

وبالطبع، هذه الفحوصات هي لرجل قبل ثوان من الموت ولا تعادل تماما تجربة الاقتراب من الموت، حيث يعيش الشخص. ومع ذلك، فإن مثل هذا النشاط قد يساعد في تفسير سبب رؤية الناس لاسترجاع الذكريات أو وجوه أشخاص يعرفونهم أثناء تجربة الاقتراب من الموت، كما قال جريسون.

وعلاوة على ذلك، فإن فحوصات مخطط كهربية الدماغ (EEG) للأشخاص الذين يحاولون تذكر تجربة الاقتراب من الموت توفر أيضا المزيد من الأدلة لما تفعله تجربة الاقتراب من الموت للدماغ البشري.

ما تأثير تجربة الاقتراب من الموت على الدماغ؟

عندما يتذكر الناس تجربة الاقتراب من الموت، فإن الدماغ "يُظهر نشاطا متزايدا في العديد من الأجزاء المختلفة"، حسب قول جريسون، "مثل تلك المرتبطة بالذاكرة والرؤية والسمع والعاطفة".

على وجه الخصوص، يُعتقد أن الفص الصدغي، المسؤول عن المساعدة في معالجة الصوت وترميز الذكريات، مرتبط بتجارب الخروج من الجسد واسترجاع الذاكرة خلال تجارب الاقتراب من الموت، كما قال الدكتور ديفيد سان فيليبو، الأستاذ المشارك في جامعة لويس الوطنية وباحث تجربة الاقتراب من الموت.

وقال سان فيليبو: "دفع ذلك بعض الناس إلى الاعتقاد بأن تجارب الاقتراب من الموت هي ببساطة تفاعلات بيولوجية وكيميائية لموت الدماغ".

حتى هذه النقطة، اقترحت دراسة أجريت على الفئران أن التجربة الإيجابية الساحقة التي أبلغ عنها الناس مع تجارب الاقتراب من الموت قد تكون مرتبطة بفيض من مادة السيروتونين التي يطلقها الدماغ.

وقال سان فيليبو إن هذه قد تكون طريقة الدماغ في تحضير الجسم تدريجيا للموت من خلال إحداث مشاعر النشوة وتخفيف الآلام.

وقال جريسون إنه على الرغم من أن الدراسات التي أجريت على الحيوانات يمكن أن تقدم أدلة، إلا أنها ليست نظيرا لما قد يحدث في الإنسان، وبالتالي هناك ما يبرر إجراء المزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع.

ويعتقد بعض الباحثين أن تجارب الاقتراب من الموت روحية بقدر ما قد تكون بيولوجية.

وقال سان فيليبو إنه عبر مختلف الفئات العمرية وبين الأشخاص في بلدان مختلفة، فإن تقارير تجارب الاقتراب من الموت متشابهة بشكل لافت للنظر، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة إله روحي أو الشعور بجزء من شيء أكبر من الحياة على الأرض.

وقال سان فيليبو: "نسمع نفس القصة. قد تختلف بناء على المعتقدات الثقافية أو الروحية، لكنها في الأساس هي نفسها. هذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن تجربة الاقتراب من الموت هي تجربة عبر شخصية تحدث خارج الدماغ".

ماذا يعني هذا للعلاج في المستقبل؟

في حين أن البحث عن تجارب الاقتراب من الموت يمثل تحديا لأن من الصعب التنبؤ به، فمع وصول الباحثين إلى فهم أفضل لهذه الظواهر، يمكن أن يقدم علاجات جديدة للأشخاص الذين يواجهون أمراضا مستعصية، وأحبائهم.

على سبيل المثال، قال سان فيليبو إن الأشخاص في دراسته الذين مروا بتجربة الاقتراب من الموت ويتذكرون الشعور بالهدوء والراحة أثناء التجربة أفادوا أنهم لم يعودوا يخشون الموت.

وأضاف: "أعتقد أن الناس يستفيدون من سماع قصص عن تجارب الاقتراب من الموت ويشعرون بالارتياح لفكرة أن الموت عملية وأن الألم ينتهي".