لا تهاون بعد اليوم. رحم الله كل من فقدناهم من أحبة وخاصة بسبب هذه الحادثة وبسبب الجائحة اللعينة التي حلت بالعالم منذ حوالي سنة. كل روح ارتفعت الى باريها عز وجل غالية علينا. ماذا ننتظر بعد كل ما نرى بأم أعيننا؟ الأوضاع تحتاج لحزم وشدة وصرامة بكل زاوية وكل مربع من مربعات العمل في المملكة.
نريد حزما وشدة وصرامة ضد الفساد والتهاون والتقاعس وسوء الإدارة. ماذا ننتظر أكثر؟! الحكومة الحالية ورثت هذه الأوضاع عن سابقاتها. قطاع الصحة الذي نتباهى به أمام العالم أصبح يعاني وبنيته التحتية بحاجة للمزيد من التحديث والتجديد.
الاقتصاد بأكلمه يئن من أوجاع البطالة التي وصلت الى ربع القوى العاملة الباحثة عن العمل، وآليات التشغيل معطلة بسبب ضيق الأفق وسوء التخطيط والتنفيذ السابق. وقطاع المياه يعاني من اهتراء شبكة المياه التي وصلت نسبة الفاقد فيها الى 47 % وفي الكهرباء الى 12 %.
التعليم المدرسي والجامعي دخل مساراً سنرى حجم الثمن الذي سندفعه عند الانتهاء من هذه الجائحة. السياسة المالية مكبلة وحيزها وصل الى حدود الصفر، السياسة النقدية بدأت تنعكس عليها الأوضاع الاقتصادية العامة فأصبحت آليات الانتقال الخاصة بأدواتها قليلة التأثير على متغيرات الاقتصاد الحقيقي -من نمو وبطالة- ولا تستطيع إلا المحافظة على هدفيها الأساسيين وهما استقرار الأسعار واستقرار سعر الصرف، وقد تتأثر مستقبلاً من تداعيات باقي قطاعات الاقتصاد عليها.
المديونية تجاوزت كل الخطوط الحمر بالأرقام والنسب المئوية، معدلات الفقر لم نعد نعلم ما هي مستوياتها، حجم السيولة الفائضة في الاقتصاد يصل الى أربعة مليارات مودعة في البنك المركزي منها 2.5 مليار تشكل عبئا على الميزانية لأنها بفائدة، هذه السيولة الفائضة لا يمكنها أن تتحرك وتخرج للقطاع الحقيقي ما لم تعد الأوضاع الصحية الى طبيعتها. الودائع في البنوك معظمها مشغلة على شكل قروض وسلف للقطاع الخاص وسندات وأذونات خزينة لتمويل عجز الخزينة وتسديد الدين.
يجب إجراء مراجعة شاملة لخططنا واستراتيجياتنا كافة في جميع القطاعات الاقتصادية لنتأكد أن سياساتنا وأدواتنا كافية وملائمة للمرحلة. هناك حاجة ماسة لمعرفة مدى حاجتنا للمزيد من المستشفيات والاختصاصيين والمختبرات والمراكز الطبية الشاملة. هناك حاجة ماسة لمراجعة وتقييم مسار التعليم الذي طبقناه منذ فترة في المدارس والجامعات وفي مختلف التخصصات.
هناك حاجة ماسة لمراجعة أدوات السياسة المالية والنقدية للوقوف على مدى كفايتها وكفاءتها في تحقيق الأهداف المرسومة لها. فعلى صعيد السياسة المالية، هناك أوجه خلل كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بهيكل الإنفاق العام وهيكل الإيرادات الضريبية. وعلى صعيد السياسة النقدية، يجب مراجعة مدى كفاية الأدوات النقدية المعمول بها الآن وهل آن الأوان للانتقال الى سياسة استهداف التضخم inflation targeting، فانخفاض معدلات التضخم عن 2 % لفترة طويلة غير محبذ اقتصادياً. معدلات التضخم في الأردن أقل من 1 % منذ أكثر من سنتين.
كما ويجب أن نتأكد أن آليات الرقابة والتنظيم تعمل بكفاءة عالية. حادثة مستشفى السلط وغيرها بمثابة جرس إنذار لما يمكن توقع حدوثه -لا سمح الله- في الأيام والأشهر المقبلة. أعلم أننا نعيش بحالة توتر وعصبية نفسية صعبة جراء الإغلاقات والحظر الذي يطبق تارة بشكل جزئي وتارة أخرى بشكل كلي. ونعلم الهدف السامي من وراء هذه الإغلاقات. ولكن أحداثا صغيرة كهذه يجب أن توقظنا لما هو أكبر ويجب أن تثير لدينا حس المراجعة الشاملة لأجهزة الرقابة والتنظيم حتى لا يقع ما لا يحمد عقباه. حمى الله الأردن.