حتى كتابة هذه السطور، لم يكن الدخان الأبيض، قد تصاعد من «مدخنة» المشاورات لتشكيل حكومة جديدة...نتنياهو يتصرف كالمجنون المذعور، حتى أن واشنطن استدعت وزير دفاعه للتأكد من عدم قيامه بشن ضربات ضد برنامج إيران النووي، لقطع طريق على لبيد – بينت إلى الحكومة الجديدة، فيما وسائل إعلام إسرائيلية، لم تستبعد سيناريو «مجازر» في القدس أو غيرها، من شأنه أن يقلب الطاولة فوق رأسيهما.
لكن التقارير مع ذلك، ترجح غياب نتنياهو عن المسرح السياسي، ما يعني تركه «مواطناً خاصاً» يواجه القضاء في ارتكاباته بالفساد والرشوة وسوء استخدام السلطة، وهو أمرٌ حسنٌ، ويثلج صدر الفلسطينيين، ومعهم إسرائيليين كثر، ملّوا من ألاعيبه وبهلوانياته، ودوره التخريبي للمؤسسة، والتقسيمي لمجتمع المستوطنين، نتنياهو، «ملك إسرائيل»، من المحتمل أن يقضي سنواتٍ مما تبقى من عمره، ينام إلى جانب «جردل البول» كما ذكر شامتاً، صديقي يعقوب ديواني، الأسير الفلسطيني المحرر، والكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، لقد تمنى له مواجهة المصير ذاته، الذي عاشه ورفاقه من الأسرى، في سجون الاحتلال وزنازينه.
أياً يكن من أمر، وبمعزل عن «البعد الشخصي» في تلقي خبر خروج نتنياهو عن مسرح السياسة والحكم في إسرائيل، فإن على الفلسطينيين والعرب، ألا ينخدعوا بالحكومة الجديدة في المقابل...فهذا المكتوب، يُقرأ من عنوانه، وعنوان الحكومة للسنتين القادمتين، حال تشكيلها وتجاوزها عقبات ربع الساعة الأخير، هو نفتالي بينت، الرجل الذي يفخر بأنه قتل شخصياً عدداً كبيراً من الفلسطينيين، معرباً عن استعداده، وربما أمله، في قتل المزيد منهم في قادمات الأيام...الرجل الذي يرعى الاستيطان في القدس والضفة، وترأس مجلس المستوطنات فيها، الرجل الذي عارض «صفقة القرن» سيئة الذكرى، لأنها كانت «سخيّة» مع الفلسطينيين، الرجل الذي يرفض قيام دولة فلسطينية، ولو على جزء يسير من الأرض الفلسطينيين المحتلة.
نحن أمام رجل عقائدي، يجمع بين دفتي عقله الصهيوني – الاستعلائي، نزعتي التطرف الديني والقومي...وهو حين كان وزيراً للتربية والتعليم، اعتمد منهاجاً دراسياً، لتكريس «يهودية الدولة»، ويمنع على الفلسطينيين والصهاينة الليبراليين، ريادة المدارس والجامعات، لنشر «سمومهم»...الرجل، بخلاف «الليكود» ومقارباته الأمنية، يؤمن بـ»أدلجة» المجتمع الإسرائيلي، وإعادة بنائه على أسس «قومية دينية متطرفة» تجعله مؤهلاً لحرب المئة عام القادمة، لاقتلاع الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم وطمس هويتهم وتراثهم ومقدساتهم.
ولا تختلف شريكته إيليت شكيد عنه بشيء، فيما حليفه جدعون ساعر، سبق وأن ضاق ذرعاً بنتنياهو والليكود، وأسس حزباً على يمينهما...أما لبيد، الموصوف «وسطياً، أو «مركزياً» في الإعلام الإسرائيلي والدولي (ومن أسف في الاعلام العربي) فهو اليميني الذي نشأت على يمينه قوى أكثر تطرفاً منه، هو لم يكن في اليمين وانزاح إلى الوسط، هو وجد نفسه في الوسط، بعد أن سارعت قوى عديدة للاصطفاف على يمينه، في الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية.
اليسار في هذه الحكومة والائتلاف، كما القائمة الموحدة (عباس منصور)، يقبع في مكان هامشي، يعكس هامشية موقعه في الكنيست...ليس في إسرائيل حكومة أو ائتلاف، يمكنها صنع سلام مع الفلسطينيين...ليس في إسرائيل شريكاً للسلام...حل الدولتين الذي اصطدم بجدار نتنياهو، سيصطدم بجدران «حكومة وتحالف التغيير» الأعلى.
لن تُنهي هذه الحكومة، الأزمة السياسية في إسرائيل، فهي تحالف هش، تجمعه راية العداء لنتنياهو فقط، وليس من المستبعد، أن تسقط هذه الحكومة أرضاً عند أول اهتزازة أو انعطافة...ومن المرجح ألا تصل نهاية ولاياتها بعد أربع سنوات، وقد يظل يائير لبيد على قائمة الانتظار لشغل منصب رئيس الحكومة لسنوات قادمة...ليس أمام الفلسطينيين من خيار سوى شق طريقهم بأنفسهم، وعدم انتظار ما ستأتي به صناديق الاقتراع أو التركيبة الحزبية الإسرائيلية...المواجهة مع إسرائيل، وليس السلام معها، هي سمة المرحلة المقبلة، فلنستعد لها، على ضفتي النهر، نفتالي بينت ليس جيداً للفلسطينيين ولا للأردنيين كذلك.