لم يعد هناك صوت اليوم يعلوا فوق صوت الحرب الضروس الظالمة الإرهابية على الشعب الفلسطيني ، فقد نسي العالم نازلة كورونا وانشغل بما يحدث بين قوة صهيونية قاهرة وشعب أعزل مقموع في القدس وما حولها، وبين مليون ونصف مدني في غزة تقاتل فصائل عسكرية لا ترقى لمستوى جيش ومع ذلك تدك حصون إسرائيل التي ظنوا أنها آمنة، وتدب الرعب في قلوب العسكر قبل المدنيين، ولأن الحرب تعتبر هي الكاشفة التي تُظهر معادن الرجال والكيانات والدول، فإننا لا نلقي باللائمة فقط على القوة المعتدية في تل أبيب فقط بل هناك من هم متساوون معهم بخيانتهم لقضيتهم العادلة.
ليس سرا ولكنها الحقيقة المرّة، ففضلا عن العملاء الرخيصين وأذناب الاستخبارات في الضفة الغربية وغزة، فإن هناك عددا كبيرا من المجندين العرب برتب مختلفة منخرطون في قوات الإحتلال وأجهزتها الأمنية، وفي الوقت الذي تشذ فئات من مواطني الدولة العبرية عن القاعدة الأساس للكراهية الصهيونية وترفع صوتها ضد الحرب على الفلسطينيين وعلى غزة وتدين قتل الأبرياء والأطفال والنساء خصوصا من اليسار الإسرائيلي واليهود المدنيين، فإن عربا غير ملزمين أصلا بالتجنيد الإجباري ينخرطون في العمليات القتالية والخلايا التجسسية والمجموعات المستعربة التي تصفي النشطاء العرب .
هذه ليست الحرب الاولى على غزة ولن تكون الاخيرة ما دام الذئب لم يشبع من الضحايا، ومع كل حرب ظالمة تبرز الجهود المميزة للزمرة العربية التي أدمنت الذيلية للمحتل والكراهية لابناء جلدتهم وهم يقودون قطعان الجنود المنفردة بين مدن فلسطين بكل فخر بائس، نجد يهود بريطانيا وبلجيكا وامريكا يتصدرون المظاهرات العارمة نصرة للفلسطينيين وتنديدا بجرائم الكيان الصهوني ، في المقابل يخرج العرب في الداخل الإسرائيلي عبر مواجهات مع المتطرفين الصهاينة وتندلع الاشتباكات ويعود الدم العربي يتدفق في شرايينهم غضبا، ويستقيل العديد من أبنائهم عن الخدمة في قوات الإحتلال، وتبقى كلاب النار تنهش في أهلها.
القانون الإسرائيلي لايلزم الطوائف غير اليهودية بالخدمة العسكرية باستثناء الدروز ويعفي طوائف بعض الطوائف المتدينة، ولكن العرب الباقية غير الملزمين يستطيعون التخلص من هذا الذنب الأليم واللعنة التي ستطاردهم كما طاردت جنود فرعون وهم يقتّلون بني إسرائيل القدماء قبل كفرهم بموسى وربه، ولو كان «أوري افنيري» حياً اليوم لاشبعهم مقالات تطأطئ رؤوسهم منها، بل إن «جدعون ليفي» وصفهم في حرب غزة عام 2009 بأنهم كلاب الصيد المتوحشة للقوة الإسرائيلية .
هم خونّة نعم، ولكن هناك من هم أكبر خيانة في الجانب الآخر، حينما تكون قيادات جثمت على صدر الشعب الفلسطني سنين مُرّة ، يبيعون كلاما فارغا ولم يحملوا السلاح يوما إلا لقتال خصومهم من أبناء وطنهم، ثم يصمتون عما يجري في غزة وقلوبهم ملآى بالفرح عما يصيب شعب مسكين نكاية بحماس وغيرها من الفصائل التي لا تتساوق معها، ومثلهم من يتصدرون المشهد بين الحين والآخر في دول عربية ويطرحون انفسهم كزعماء محتملين لقيادة الفلسطينيين مستقبلا وهم لا يستطيعون ان يرموا حجرا على شخص إسرائيلي.
إذا لم تُنظف الساحة الفلسطينية من الخونة الكبار والمعروفين الصغار والعملاء الأذناب فلن تقوم لفلسطين قائمة، فالتاريخ يخبرنا بهذا وفي فلسطين تحديدا، حين انخرط العديد من ابناء فلسطين الساحل ضمن الجيش البريطاني بعد احتلاله فلسطين 1917 طمعا بالمناصب والرواتب المضمونة، وتبريرهم بأنها نكاية بالعهد العثماني، ولكن الإنجليز اعملوا سلاحهم في الشرفاء العرب وقتلوا وأعدموا الشخصيات والقيادات، ثم لم يروا في مجنديهم العرب سوى كلاب حراسة تنبح معهم.. هذه هي النهاية الطبيعية لهم.