2024-11-27 - الأربعاء
00:00:00

آراء و مقالات

خربانة ..

{clean_title}
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
صوت عمان :  


لا أتكلم عن سيارتي؛ وهي بالمناسبة ليست خربانة، فقط انسطح (بربيش) البريك أمس بعد الظهر، وكنت في عمق أزمة سير خانقة، يسير بعض المواطنين خلالها بسياراتهم، ويتم استفزازك حين يقوم (عيال) بمحاولات لتزريق سياراتهم في مسافة تفصل بين سيارتين لا تبلغ أحيانا مترين.. المهم: الحمد لله استطعت توصيل السيارة الى البيت، ورميت مفتاحها، وقلت لابني كي يذهب ويستبدل البربيش..

هل لاحظتم هؤلاء الشباب، وكيف يقودون سياراتهم وحياتهم وإلى أين سيذهبون في هذه الحياة الدنيا بل وفي الحياة الأخرى؟

هؤلاء هم العنوان على خراب البلد، ولا أقول بأنهم هم سبب الخراب، سوى أن يتولى بعضهم مواقع من المسؤولية ويعتبرونها سياراتهم، ويقودونها الى مكان ما..

«خربانة»؛ قد لا تنال هذه العبارة استحسان كثيرين، لكنني مع كل أسف أجدها عبارة صحيحة لو نظرت الى البلاد من خلال تفاعل الناس مع القضايا العامة، وسوف أقدم لكم المثال الحي:

منذ قرابة عام، لاحظت كثافة في عدد الفيديوهات التي تصلني عبر الواتساب وغيره، والتي يتحدث خلالها مواطنون أعرف بعضهم، سافروا الى خارج الديرة، لأسباب مختلفة، وشعروا فوق السخط بحرية «قاتلة»، فطفقوا «تنظيرا» شبه سياسي، يتحدثون خلاله عن قضايانا المحلية، ويوردون خلال أحاديثهم معلومات، ملتزمين بسردية لا تراعي رأيا آخر، لأنها تأتي نقلا عن طرف واحد، يبدو من خلالها بأنه كان مأزوما حين صاغ الرواية، وتوخى الإثارة فيها أكثر من الفكرة او الموضوعية، حيث لا طرف آخر يبين موقفه، ويقوم المتحدثون الاردنيون جماعة اللايفات أعني، وهم في «غربتهم»، بتقديم تلك الرواية للأردنيين، فتتراكم التعليقات والعواطف الانطباعية، وتصبح الروايات التي ألفها قائلوها ووظفها ناقلوها..تصبح حقائق، في عقول غالبية من المواطنين، أو على الأقل تصبح أخبارا مثيرة، يتناقلونها بينهم، بدليل أنها كانت تصلني رغم عدم بحثي عنها او اهتمامي بها.

خراب العقول، أو إبقاؤها (فارغة) ومعرضة للتخريب والعبث، هي مشكلة بحد ذاتها وسببها الحكومات، فهي التي تترك الناس بلا تنوير، كمن يترك أبناءه بلا تعليم او يكتفي بمحو امّيتهم، فهي لم تنتبه الى خطورة تزايد اهتمام الناس بالروايات والحكايات المحلية المسافرة، ثم العائدة الينا بتصرف يزيدها طرافة وإثارة وإشاعات.
في العام الأخير تضاعف الخراب المذكور، حين تغير بل تطور التنظير ورواياته، وأصبح يستهدف الأجهزة الأمنية ومؤسسة العرش، حيث لاحظنا سلوكا ممنهجا في السرديات، وظهرت فيه محاور بعينها، كالحديث بلا مناسبة عن شخصيات سابقة، انتقلت الى رحمة الله، كان لها موقعا، مما يجعل المتلقي الواعي يشعر بأنها تتمتع بسمات أجندة اعلامية ضحلة ومكشوفة، لكنها بالنسبة لهم كافية، وتشكل مرحلة ما من مراحل عمل وحديث مستمر ممنهج.. ثم اتسمت بالبرامجية والتخطيط وإعلان مواقف، وتحديد مواعيد وإجراءات، وخطاب ينطوي على تهديد ووعيد ..الخ.

هذه الحالة المتنامية من التنظيم للخطاب القادم زاد الخراب خرابا، حين اكتفت بعض الجهات بمحاولة إجهاض ومنع ما تدعو إليه تلك الخطابات الفيديوية، كموضوع ?? او ?? آذار.. إلى أن قررت الدولة فضح الأمر بناء على ما توافر لديها من معلومة، لكنها اغفلت موضوع تزايد جمهور المتابعين، ولم تقدم شيئا مقنعا، وهي ما زالت لا تهتم بمحور الشعبوية والتجييش الذي يريده من رسم تلك الأجندة الاعلامية، وعلى الرغم من أن الدولة حكومة ومؤسسات تمتلك الحقيقة وتقولها، إلا أنها لا تصل الى الناس.. والسبب كما أخبرتكم في العنوان.