رغم أن العالم تحول إلى قرية صغيرة، فإن رقاب العالم غرباً وشرقاً دانت لمصر عبر قناة السويس التي تورد 12 بالمئة من حجم التجارة العالمية، التي حققت إيرادات لقناة السويس بلغت أكثر من نصف تريليون جنيه أي ما يعادل 36 مليار ونصف مليار دولار خلال عشر سنوات حسب التقارير الرسمية، وبقيت القناة منذ 150 عاماً تشكل عصب الحياة التجاري بين القارات شرقاً وغرباً، ولكن ما حدث لجنوح الناقلة العملاقة «إيفر غرين» وإغلاقها لممر القناة قد فتح الأعين للبحث عن ممرات بديلة قد تستأثر بها دول بعيدة، فضلاً عن خسائر بمليارات الدولارات ل? طالت الأزمة.
فقد تسربت تقارير تتحدث أن روسيا بدأت الترويج لممر بحري عبر بحر الشمال واختراق منطقة القطب الشمالي الذي بات يفقد تاريخه الجليدي مع تغير المناخ، وبالطبع فإن روسيا التي تمتد من شرق العالم إلى غربه لا تفوت أي فرصة لاستغلال أي فائدة ممكنة ولو كانت نظرية، وحتى لو حققت مرادها مستقبلاً فإن اختزال الوقت لا يزيد عن اسبوعين، ومع ذلك لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل من ضياع فرص للعالم العربي من خلال استغلال ممرات التجارة العالمية أو الإقليمية.
القضية لم تتوقف إلى هنا، بل ان تقارير خرجت تتحدث عن أفكار قديمة لفتح ممرات مائية بديلة لقناة السويس أو الموانئ العربية، فقد نشر موقع «بيزنس انسايدر» تذكيراً بوثيقة أميركية سرية تم الكشف عنها عام 1966 تتحدث عن خطة لمعهد لورانس ليفرمور الوطني تقترح شق قناة مائية على مستوى سطح البحر بطول 257 كيلومتراً عبر صحراء النقب تبدأ من البحر الأبيض حتى خليج العقبة باتجاهين منفصلين، والمذهل أن فكرة العمل تعتمد على استخدام أربعة قنابل نووية بقوة 2 ميغاطن لكل ميل، أي 1600 متر، لتكون تلك القناة المقترحة بديلاً عن قناة السوي?، ومثل هذه الأفكار يمكن تحقيقها، تماماً كما تحققت قناة السويس التي اقترحها نابليون بونابرت، ونفذها الدبلوماسي فرديناند دي ليسبس خلال عشر سنوات.
قبل عشر سنوات وعندما تقطعت طرق التجارة البرية عبر الأراضي السورية وتوقف النقل من وإلى تركيا وأوروبا فضلا عن لبنان وسوريا والأردن، عمدت تركيا إلى استخدام ميناء حيفا لنقل صادراتها إلى الدول العربية والشرق الأدنى وتكفلت الشاحنات الإسرائيلية بنقلها إلى المعابر الأردنية، لتتناولها شاحنات أردنية وغيرها لإعادة النقل البري، وهذا كان دافعاً لحركة النقل، ولكنه كان مكلفا، والفائدة الكبرى استغلتها الموانئ الإسرائيلية، فيما ميناء العقبة فقد الكثير من الفرص التي كان يعتمدها لنقل البضائع للعراق وسوريا وشرق أوروبا برياً.
وعودة لمسؤولية الكارثة البحرية التي اشترك بها قبطان السفينة والمسؤول الفني لهيئة القناة وغيرهم، فهذا يثبت أن السياسي لا يمكن أن يكون خبيراً اقتصادياً بالضرورة، وأن الفني يجب أن يبتعد عن حلبة السياسة، وأن الاقتصاد الذي هو رافعة للسياسة يجب أن يُسند لعباقرة ينحتون في صخرة الأفكار لاستنباط طريق ثالث يخرج البلد من صندوق المساعدات والقروض التي تنفق دون تخطيط سليم ولا تنفيذ أمين، فخطأ المسؤول حتما سيجر كارثة تدمر الاقتصاد وتزعزع الاستقرار، وهذا يستوجب اسناد العمل للمحترف ومراقبة الأداء، وهذا ما نعاني منه عربيا ج?ّاء الخيارات الكارثية، وأهمها استبدال وجوه المسؤولين دون قياس لقدراتهم العقلية والعملية.