في أيام ( اللولو ) لا أحد يسأل عن الرواتب المرتفعة، ويغضّ الطرف عن أصحابها أو المراكز التي يشغلونها..أما في حالات ( الضنك ) وما أكثرها هذه الأيام التي تتفاقم فيها الأزمات المالية والاقتصادية في كل العالم، يعود ملف الرواتب المرتفعة الى السطح مرة أخرى.
أكبر ضجة حول ( الرواتب المرتفعة ) عالميا كانت في أعقاب الأزمة المالية العالمية نهاية 2008 بداية 2009 حين أصدر الرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما قرارا بتخفيض رواتب الرؤساء والمدراء التنفيذيين في عشرات الشركات الامريكية الكبرى والتي كانت تتلقى اعانات حكومية ضخمة بصورة كبيرة، وأذكر ان عدد من شملهم القرارا آنذاك يصل الى نحو 175 رئيسا ومديرا تنفيذيا، في شركات كبرى منها : ( سيتي جروب -بنك اوف اميريكا - جنرال موتورز - كرايسلر -..الخ ) وللدلالة على ارتفاع حجم الرواتب والمكافآت التي كان يتمتع بها رؤساء ومدراء تلك الشركات فقد بلغت مكافأة « دانيل اوك « السنوية من شركة « أوك - زيف « المالية نحو ( 1.2 مليار دولار عام 2008 قبل تفاقم الازمة المالية العالمية.
الأزمة المالية العالمية وقتذاك أظهرت فحشا مبالغا في رواتب المسؤولين في القطاعين العام والخاص، وبما لا يتناسب مع الانجازات، ولذلك أطلق « أوباما « أيضا مقولته المشهورة بضرورة ان تتناسب الرواتب مع حجم الانجازات وما يتحقق من ارباح، بمعنى أنه لا مشكلة في ان يكون راتبك مليونا في العام شريطة ان تحقق ايرادات او منجزات بمئة مليون - على سبيل المثال - لا أن تفجع المؤسسة أو الشركة أو البنك، أو حتى الحكومة بخسائر ومديونية تتكبدها الأجيال القادمة !!
رواتب المسؤولين أو الرؤساء والمدراء التنفيذيين - وان اختلفت بالتأكيد بين القطاعين العام والخاص - تحكمها معايير متعددة مرتبط أكثرها بالوصف الوظيفي وخطورة وأهمية الموقع وصلاحيات اتخاذ القرارات التي ان كانت صائبة حققت الارباح وان كانت عكس ذلك قد تؤدي لكوارث يتحملها المساهمون والمتعاملون - ان كان في القطاع الخاص - وخسائر ستتحملها خزينة الدولة والاجيال القادمة - ان كان الامر متعلقا بالقطاع العام.
عندنا ( محليا ) كانت قضية « الرواتب المرتفعة « تطفو على السطح من حين لآخر لكن ارتباطها - غالبا - لم يكن مع أزمات مالية محلية او عالمية بل - وللاسف - بمناكفات برلمانية او اعلامية او شخصية، والدليل ان الامر كان يتوقف عند حجم الراتب ولا احد يسأل عن سبب ارتفاع ذلك الراتب؟ وغالبا يكون السؤال لماذا راتب « فلان « مرتفع وليس لماذا راتب « تلك الوظيفة « مرتفع، متناسين أن الراتب لـ( الوظيفة ) وليس (الموظف ) أيا كان، وان كنت لا ألوم البعض في هذه الجزئية أحيانا لأن المناصب « تمنح « للبعض وفقا لمعايير الواسطة والمحسوبية، وليس وفقا للكفاءة وما تتطلبه الوظيفة.
على أية حال فقد أثيرت « زوبعات « متتالية عبر سنوات خلت حول رواتب مرتفعة بدءا من مدراء أمانة عمان منذ سنوات ثم رواتب الهيئات المستقلة مثل منطقة العقبة الخاصة والبنك المركزي والضمان الاجتماعي وهيئة الطاقة النووية، لينتقل الحديث مؤخرا عن شركات مثل الملكية الاردنية والبوتاس والفوسفات وأخيرا « مصفاة البترول «.
أعود وأكرر الى ضرورة أن يكون المعيار في الرواتب للقطاعين هو أهمية المنصب والمسؤولية الملقاة على عاتق من يشغله، ومرتبطا بالنتائج والنجاحات وهذا معيار اكثر تطبيقا في القطاع الخاص والبنوك تحديدا ممن يحصلون على « بونص « نتيجة الارباح المتحققة نهاية السنة المالية.
واذا كانت الحكومة - غير معنية - برواتب المسؤولين في القطاع الخاص، الا أنها بالتاكيد مسؤولة عن رواتب المسؤولين في الشركات التي تساهم بها الحكومة، وحتى الشركات المساهمة العامة احقاقا للقانون وحفاظا على أموال المساهمين.