شهدت الساحة الأردنية في الأيام الماضية جدلاً واسعاً بعد أن تبيّن أن أحد المحامين قد مثّل شركة صهيونية في تقديم إنذار عدلي ضد شركة أردنية. هذا الفعل أثار استهجاناً كبيراً بين المحامين والمواطنين، خاصة في ظل استمرار حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في غزة، حيث يسطّر المقاومون أروع صور التضحية والفداء في مواجهة الاحتلال.
إزاء ذلك، عقد مجلس نقابة المحامين الأردنيين اجتماعاً عاجلاً تقرر فيه إحالة المحامي المعني إلى اللجنة التأديبية، واتخاذ قرار بفصله من النقابة وشطب اسمه من سجلاتها. وما إن صدر القرار حتى ثار الجدل حول قانونيته، خصوصاً بعدما ظهر المحامي المفصول عبر إحدى فضائيات الاحتلال مستنجداً بحكومة تمارس الإرهاب والعدوان، بل وصل الأمر إلى أن نقابة المحامين في كيان الاحتلال وجّهت كتاباً رسمياً تستنكر فيه قرار النقابة الأردنية.
بين القانون والسياسة
من المعروف أن القانون، وإن كان ثابتاً في نصوصه، إلا أن تطبيقه يتأثر بالاعتبارات السياسية والاجتماعية.
فالمبدأ الدستوري القاضي بأن حق الدفاع مقدس، وأن لكل شخص الحق في اللجوء إلى القضاء، هو مبدأ راسخ ومعتمد في معظم دول العالم. غير أن هذا المبدأ لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق الوطني والقومي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعدو الصهيوني الذي يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
إن نقابة المحامين الأردنيين، عبر قوانينها وأنظمتها وقرارات مجالسها المتعاقبة، أرست موقفاً ثابتاً لا لبس فيه: رفض التعامل مع الاحتلال رفضاً قاطعاً، قانونياً وأخلاقياً ووطنياً. وهذا الموقف ليس اجتهاداً عابراً، بل هو تعبير عن إرادة عامة راسخة لدى الهيئة العامة للنقابة، التي انسجمت دوماً مع هذا النهج.
البعد الوطني والقومي
إن قرار النقابة لا يمكن قراءته فقط من زاوية قانونية ضيقة، بل يجب النظر إليه باعتباره موقفاً وطنياً وقومياً يعكس هوية الأردن العروبية الراسخة. فالتطبيع مع الاحتلال ليس مجرد مسألة إجرائية أو مهنية، بل هو مسألة تمسّ الضمير الجمعي للأمة، وتتناقض مع تضحيات الشهداء وصمود الشعب الفلسطيني.
أما المحامي المفصول، فقد تجاوز حدود التوكل عن شركة صهيونية، إلى الاستنجاد بدولة مارقة لا تعترف بالقانون الدولي ولا تحترم أي قرار صادر عن مؤسساته، بل تبغض الإنسان العربي أيّاً كان دينه أو أصله أو مذهبه. ومن هنا، فإن استناد كتاب نقابة المحامين في دولة الاحتلال إلى حجج قانونية أو دستورية لا يستقيم، لأن من لا يلتزم بالقانون الدولي لا يحق له التذرع به.
رسالة إلى الداخل والخارج
إن قرار نقابة المحامين الأردنيين يحمل رسالة واضحة: أن النقابة ستبقى حصناً منيعاً ضد كل محاولات الاختراق والتطبيع، وأنها ستظل وفية لتاريخها العروبي المشرف. كما أن هذا القرار يوجّه رسالة إلى الخارج، مفادها أن الأردن، شعباً ومؤسسات، يرفض أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال، وأن الموقف الوطني لا يمكن أن يخضع للمساومة أو الضغوط.
ختاماً
احذر إن أي محاولة للعبث بقرار مجلس النقابة الموقر، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة التطبيع، تمثل مساساً بالموقف الوطني الثابت الذي يرفض التعامل مع الاحتلال بأي شكل من الأشكال.