الصحافة مهنة لها ضريبة… ومن لا يدفعها، لا يحق له أن يحصد أرباحها
لم تعد فوضى الفضاء الإلكتروني مجرّد ظاهرة عابرة يمكن غضّ الطرف عنها، بل تحوّلت إلى أزمة تهدد أسس العمل الصحفي المهني وتضرب قواعد المنافسة العادلة في مقتل. في ظل هذا الواقع، بات مطلوبًا من وهيئة الإعلام ودعم الحكومة اليوم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم بالكامل، وأن يبادروا بخطوة تنظيمية جادّة تعيد ترتيب المشهد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تحت سقف القانون.
نحن، كمنصات إعلامية مرخّصة، ندفع كلفة التزامنا كاملًا: تراخيص من هيئة الإعلام، رخص مهن، ضرائب، ضمان اجتماعي، اشتراكات نقابية، وكادر مهني يخضع لكل القوانين. هذه ليست مجرد التزامات مالية، بل التزام أخلاقي لحماية قيمة الخبر وضمان حق الجمهور في المعلومة الموثوقة.
في المقابل، يزداد مشهد «الفوضى الإعلامية» اتساعًا كل يوم، عبر صفحات وحسابات يديرها من يسمّون أنفسهم «مواطنين صحفيين» أو «مؤثرين» أو «صانعي محتوى»، يمارسون العمل الصحفي دون رخصة أو ضوابط أو التزامات، يحصدون الأرباح من الإعلانات والبث المباشر ومنصات التواصل، بينما يفلتون من أي رقابة أو مساءلة قانونية.
لا أحد يرفض حرية التعبير، فهي حق دستوري مكفول. لكن حين تتحوّل إلى ذريعة لفوضى منظمة، يختلط فيها الخبر الصادق مع الإشاعة، وتتحوّل فيها المنصات إلى ساحات للإعلانات المموّهة دون حسيب أو رقيب، هنا يصبح السؤال ملحًا: من يحمي الإعلام؟ ومن يحمي الناس؟
الباب واضح لكل من يريد أن يمارس مهنة الصحافة: ترخيص وفق القانون، التزام بميثاق الشرف الصحفي، دفع الرسوم والضرائب أسوةً بكل مؤسسة قانونية. أمّا أن يظل المشهد مفتوحًا لكل من شاء أن يبث أو يكتب أو يصوّر دون أدنى التزام، فتلك فوضى تضرب العدالة أولًا وتؤذي هيبة المهنة ثانيًا.
إن إنقاذ الإعلام لم يعد خيارًا، بل أولوية وطنية لحماية الثقة العامة، وصون مهنةٍ يفترض أن تبقى خط الدفاع الأول عن الحقيقة والوعي.
آن الأوان لأن يقول المشرّع كلمته بوضوح: لا صحافة دون ترخيص، ولا مؤثر دون التزام بالقانون، ولا أرباح دون التزامات ضريبية وأخلاقية. فحرية التعبير شيء، والفوضى شيء آخر تمامًا.