شهدت أسعار الذهب خلال الشهور الـ19 الماضية ارتفاعات غير مسبوقة، متأثرة بعوامل جيوسياسية واقتصادية عالمية، انعكست بشكل مباشر وغير مباشر على الأسواق المحلية في الأردن. هذا الارتفاع لم يغيّر فقط طريقة تعامل الناس مع الذهب، بل أعاد تشكيل العلاقة بين المواطنين والذهب، الذي لم يعد مجرد زينة بل تحول إلى أداة للادخار والتحوط في مواجهة الأزمات.
بدوره قال ربحي علان، رئيس النقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات، أن الأسباب التي دفعت الذهب إلى تسجيل أرقام قياسية تعود إلى عوامل جيوسياسية أبرزها الحرب في أوكرانيا وروسيا، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وإغلاق باب المندب أمام اليمنيين، وتقييد حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وأضاف علان أن "هذه التوترات دفعت المستثمرين عالميًا إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن"، مشيراً إلى أن البيانات الاقتصادية الأمريكية المتعلقة بالرسوم التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على عدد من الدول أدت إلى إرباك الأسواق، ما عزز الطلب على الذهب.
أما عن تأثير ذلك على السوق المحلي، فأوضح أن "الطلب في الأردن ازداد، لا بسبب الزينة فقط، بل نتيجة رغبة الأردنيين في الادخار والتحوط. فالذهب يبقى سلعة ادخارية من الطراز الأول، أكثر من كونه أداة للأستثمار".
يؤكد علان أن الأردنيين لا يزالون يقبلون على شراء الذهب، خاصة من عيار 21 الأكثر شيوعًا، لغايات الزينة والخزينة في آنٍ معاً، موضحاً: "المرأة تستطيع أن تتزين بالذهب وفي الوقت ذاته تعتبره خزينة مالية يمكن بيعها عند الحاجة".
من جهته، يقول محمد عدنان أبو خاص، وهو صاحب عدد من محلات بيع المجوهرات، إن أسعار الذهب العالمية تؤثر بشكل كبير على السوق المحلي، "فكلما ارتفعت الأسعار قلّ الإقبال نتيجة انخفاض القدرة الشرائية، والعكس صحيح".
وأشار إلى أن "حرفة بيع الذهب كأي مهنة تتأثر بمبدأ العرض والطلب، فالأسعار المرتفعة تجعل الحركة بطيئة، لكن في المقابل يتجه الزبائن إلى الشراء لغايات الادخار وليس الزينة فقط، بسبب ارتفاع السعر".
لم تعد الفكرة التقليدية المرتبطة بالذهب سائدة كما في السابق، فجيل الشباب بات يملك توجهاً مختلفاً، يوازن بين الاستثمار والاحتياجات المعيشية.
العشريني عبدالله الزعبي ، فيرى أن شراء الذهب بات وسيلة للحفاظ على المدخرات، ويقول: "أنا بشتري كل فترة قطعة صغيرة أو ليرة، مش للتزيين، بس لأنه الذهب دايمًا محافظ على قيمته".
بذات السياق، تقول العنود العتوم (موظفة) إنها أصبحت تشتري ليرات ذهبية من وقت لآخر للادخار، مضيفة: "ما عاد فيني أشتري أطقم ذهب كاملة، لكن بحس الأونصات أو الليرات أأمن للمستقبل".
مع استمرار التوترات الدولية والتقلبات الاقتصادية، يظل الذهب في مقدمة المشهد كأحد أبرز أدوات الادخار. وبين من يراه زينة، ومن يتعامل معه كـ"خزينة"، يثبت الذهب أنه معدن لا يفقد بريقه، بل يتجدد مع الأزمات.