لطالما طُرحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Public-Private Partnership) كشعار تنموي واستثماري في الخطط الحكومية، وكأداة فعالة لتحفيز الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية المستدامة. وقد صدرت تشريعات خاصة لتنظيم هذه العلاقة، كان آخرها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي جاء ليضع إطارًا قانونيًا يعزز الثقة المتبادلة ويوفر بيئة آمنة ومحفّزة للاستثمار المشترك.
ورغم هذا التقدم على المستوى التشريعي، إلا أننا ما زلنا نقف أمام واقع يقول إن الشراكة الحقيقية لم تولد بعد. لا تزال الفجوة الزمنية والحواجز الذهنية والإجرائية قائمة بين القطاعين. فلا الترويج الفعّال لمفهوم الشراكة حدث، ولا المشاريع النموذجية التي تبرهن على جدوى هذه العلاقة خرجت إلى حيّز التنفيذ بالقدر المأمول.
نحن لا نتحدث عن توقيع مذكرات تفاهم شكلية، بل عن بناء منظومة ثقة ومصالح متبادلة تنتج مشاريع استراتيجية تحقّق قيمة مضافة حقيقية. ما زال الفاعلون في القطاع الخاص يتساءلون: ما هي نوعية هذه الشراكة؟ من هو الشريك الحقيقي؟ ما المنتج المتوقع من هذه العلاقة؟ وهل هناك التزام حكومي بإزالة العراقيل البيروقراطية وتوفير الضمانات الكافية للاستثمار؟
الشراكة ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة وطنية في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة. وهي لن تنجح ما لم تتحقق بيئة تشريعية وإدارية مرنة، ومناخ استثماري آمن، وإرادة سياسية تؤمن بالقطاع الخاص شريكًا لا خصمًا.
إن غياب الإرادة الجادة في تفعيل هذه الشراكة، وتركها في إطار التصريحات والخطط المجردة، يضيّع على الدولة فرصًا تنموية حقيقية، ويُبقي القطاع الخاص في موقع المتفرّج بدلًا من أن يكون محركًا رئيسيًا لعجلة الاقتصاد.
لذا، فإننا نرفع هذه التساؤلات اليوم أمام مجلس الوزراء، ليس فقط كمجموعة من الاستفهامات، بل كنداء لإعادة النظر في النهج، وتفعيل أدوات التنفيذ، وتوفير منصة مؤسسية متكاملة تشجّع على إقامة مشاريع حقيقية بين القطاعين، تنعكس آثارها الإيجابية على الاقتصاد الوطني والمواطن على حد سواء.
لقد آن الأوان أن ننتقل من التنظير إلى التطبيق، ومن التردد إلى الحسم، وأن نمنح الشراكة معناها الحقيقي في بناء المستقبل.