في زحمة هذا العالم، الذي تتسارع فيه الأحداث وتختلط الأصوات، تأتي بعض اللحظات كهدايا خفية تحمل في طياتها معانيَ تفوق بكثير قيمتها المادية.
مؤخراً، وصلتني من فلسطين الحبيبة هدية ذات وقع خاص على القلب والروح: سبحة نقش على مقبضها اسمي، قدمتها لي الدكتورة سلوى النجاب، وزملاؤها الأكارم في مؤسسة "جذور للإنماء الصحي والاجتماعي (جذور)”.
هدية بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في رمزيتها، تحمل عبق الأرض المباركة ودفء أيادي أهلها.
كل حبّة في هذه السبحة كأنها حبة تراب من أرض فلسطين، تختزل في صمتها حكايات لا تنتهي عن الصمود والأمل. وهي تذكير يومي، بأن في كل لحظة تأمل وهدوء، يكمن ارتباط عميق بالأرض والهوية.
إنها ليست مجرد سبحة ترافق لحظات التفكير، بل هي أيضاً خيط يربط بين القلب والمدن الفلسطينية العتيقة، بين الإنسان وتاريخه الذي يشهد له بالحضور رغم كل ما واجه من تحديات.
حين أمرّر حبّاتها بين أصابعي، يحضر في خاطري مشهد قبة الصخرة الذهبية، شامخة في سماء القدس، تقاوم الزمن بشموخها، شاهدة على الأجيال التي عبرت أمامها، وعلى من نذروا أنفسهم لحماية إرثها الثقافي والإنساني.
هذه القبة، بما تحمله من رمزية تاريخية، تشبه إلى حد بعيد هذه السبحة المتواضعة؛ فكلتاهما ترويان قصة شعب يتمسك بأرضه رغم الألم، ويواصل مسيرته بعزيمة رغم التحديات.
وفي ظل عالم مثقل بالضجيج والمتغيرات، تأتي هذه الهدية لتُعيد إليَّ شيئاً من الصفاء، ولتذكرني أن فلسطين، رغم الجراح، ما تزال تبعث برسائل أمل إلى كل من يحملها في قلبه.
في كل حركة بين حبات هذه السبحة، تنبض قصة إنسانية خالصة عن التشبث بالحياة والإصرار على مواصلة المسير، وكأن السبحة تحمل رسالة صامتة: أن نتمسك بالأمل مهما اشتدت الظروف، وأن نؤمن بأن الغد يحمل بين طياته إمكانية جديدة للفرح والانتصار.
ولا يمكنني في هذا المقام إلا أن أعبر عن اعتزازي وتقديري لمؤسسة "جذور للإنماء الصحي والاجتماعي (جذور)”، التي تجسّد معنى العطاء الحقيقي.
هذه المؤسسة الفلسطينية الرائدة، التي لم تدخر جهداً في سبيل خدمة مجتمعها، لا تقتصر رسالتها على دعم الصحة العامة فحسب، بل تمتد إلى ملامسة الجوانب الإنسانية العميقة في حياة الناس، وتغرس جذور الأمل في أرضٍ تشتد حاجتها إلى كل بصيص نور.
هذه الهدية التي وصلتني من "جذور”، هي أكثر من مجرد رمز شخصي؛ إنها تعبير صادق عن علاقة الإنسان بأرضه، وعن الوفاء العميق الذي يحمله الفلسطينيون في قلوبهم، رغم كل ما يحيط بهم من تحديات.
هي أيضاً رسالة إلى العالم، بأن فلسطين لا تزال تنبض بالحياة، وبأن الخير ما زال ممكناً حين تتلاقى الأيدي والقلوب على هدف سامٍ.
من القلب، أبعث بتحية حب وتقدير إلى فلسطين الحبيبة، وإلى كل من يسهم في رفع رايتها عالياً. ستظل فلسطين حاضرة في الوجدان، لا تغيب مهما تناءت المسافات. ومع كل نبضة من نبضات قلبي، أجدّد يقيني بأن شعبها سيبقى صامداً، وأرضها مزدهرة، إلى أن يبزغ فجر جديد وتعلو فوق سمائها رايات الأمل.