2025-01-06 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

الخلايلة يكتب إنهم يعلمون الغيب؟

{clean_title}
صوت عمان :  
كتب : سلطان عبد الكريم الخلايلة

أعرف شخصاً لو أنفق على نفسه ما أنفقه على الخرافات التي يؤمن بها، لأصبح ممن يوصفون بالثراء. ثراء يصرف عليه إنفاقًا من أجل جلبه، وما يدري أن إنفاقه عليه إنما هو مزيد من غرقه في الفقر. إنما الفقر أولاً جهلاً.

لقد فُطِر الإنسان على الخوف من المستقبل. وهذا الخوف تحول إلى سلعة ثمينة لمن يفتح لنفسه الباب بأن هناك من يمكن أن يتنبأ.

الدجالون كثر، وكذلك الطامعون في استراق أي معلومات عما يمكن أن يقع في المستقبل. نحن أمام معادلة إذا غاب أحد طرفيها انتهت: نصاب يدجّل على الناس ويقبض الثمن، وطمّاع جاهل يوافق على أن ينصب عليه الدجال.

هذا يحدث كل عام. وفي كل عام، لا يكترب لا الدجالون ولا الجهلة بأن المعلومات التي قدمها أحدهم العام الماضي كانت خطأ. ويستمر دولاب الجهل في الدوران عاماً بعد عام.

ولأن الإعلام الأصفر يبحث عن أي سلعة يبيعها، يجد في الدجالين فرصة ثمينة. تبدأ المقابلات والتنبؤات، وعلم الغيب. أما إذا قلت لهم لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ستجد من يقول لك: إن الأمر يتعلق بالنجوم. وكأن النجوم أعلم وأن التطيّر بها وقراءة ما تعلمه من حركة البشرية علم ذو قواعد. وما هو إلا دجل وخرافة.

يظهر المُنجّمون على الشاشات ليقدِّموا لنا ما يجود به خيالهم الموجه حسب الطلب. فيمدحون ويذّمون ويمجدون زعيمًا، بعيدًا عن الأجر المالي أو أي مكسب آخر. هذا ما كان يحدث إلا في عصر الجاهلية، أن تصبح ظاهرة كهذه تُبنى عليها خطط أو استراتيجيات، فنذهب نحو المجهول دون أسس علمية للتنبؤ أو التحليل، معززين بذلك الوهم والخرافات.

تلك الظاهرة وزيادة تأثيرها على وعي الناس يفترض أن تُواجه بوعي وعقلانية، لأن ذلك يمثل تراجعاً فكرياً كبيراً ويُكرِّس ثقافة الاستغلال العاطفي التي يعمل على تكريسها هؤلاء المنجمون ومن لف لفيفهم.

من الممكن أن تصل تلك التنبؤات لأحدهم على واتساب أو إيميل، فيقوم بحفظها وطباعتها على ورق كرتون ليُقدم للناس تعابير وجه توحي بأنه يعمل ضمن أسس مدروسة علمياً، فيصبحون مصدّقين ومتأثرين بها، متجاهلين أنها وسيلة للتلاعب بعقول البسطاء.

المفجع أن تأثير النبوءات الكاذبة على البعض ليس بالأمر البسيط، فهي تحاول أن تتغلغل في عقول الناس وتؤثر على قراراتهم وسلوكياتهم، مما يجعل من الضروري مواجهة هذه الظاهرة بحزم. ويجب على كل فرد أن يتحلى بالحكمة والتفكير النقدي ليتمكن من تمييز الحقيقة من الوهم.

ما يهمني من كل ذلك كأردني هو ألا يمس وجداننا تجاه وطننا، فنصبح مستمعين لأمثال ليلى عبد اللطيف والحايك وغيرهم، وننتظر ما سيقال عن بلد حفظناه وعرفناه منيعاً عزيزاً. إن الوطن هو حصننا الحصين، وعلينا أن نحميه من أي محاولة لزعزعة استقراره وأمنه، سواء كانت هذه المحاولات داخلية أو خارجية.

كما تستعد الدول لإدارة المخاطر التي يُذكرها هؤلاء المنجمون، كان الأردن في وسط المخاطر والمنعطفات وبقي صامدًا في محيط ملتهب. إن الأردن بموقعه الاستراتيجي وتاريخه العريق قد واجه العديد من التحديات وبقي شامخًا بفضل تلاحم شعبه وقوة قيادته. الآن من المهم التعامل مع ما يُقال بوعي وحذر، دون زراعة الخوف الذي بُني على وهم وإشاعات موجهة تستهدف الاستقرار والأمن، ولو بالوجدان، فهو من أسسها وأهم مضامينها للقوة بالطمأنينة. الخائفون... أيديهم لا تُعمر وطناً.

في هذا السياق، يجب علينا تعزيز التعليم والتثقيف حول التفكير العلمي والنقدي، لأنهما يعدان الأدوات الأكثر فاعلية في مكافحة الخرافات والإشاعات. فالعلم والوعي هما الدرع الواقي الذي يمكننا من التصدي للتلاعبات والاستغلالات التي يروج لها مدعو الغيب.

وجب علينا الابتعاد عن تكرارهم السنوي وأجنداتهم. سنسمع ونرى الأردن يتقدم ويتحصن بجبهته الداخلية المتينة رغم كل التحديات بفضل شعبه وقيادته. إن التفاؤل والثقة بالمستقبل هما مفتاح النجاح والتقدم. فخلف حادي الركب قائد المسيرة، بعيداً عن زاعمي مطالعة الغيب، بوطن كريم وقيادة نبيلة، ثقتنا بوطن كريم تمتد أملًا بصدق ورجولة، ولأن اللبيب من يتّعظ بالتاريخ، من الغرابة أن لا يرى هؤلاء أن الرهان الفائز خلقاً وحقّاً وثباتاً هو الرهان القائم على الإيمان بالأردن إنساناً وأرضاً، حاضراً ومستقبلا.