صدرت دراسة بحثية تم نشرها مؤخرا حول آثار جائحة كوفيد، حيث أشارت إلى انخفاض في معدل العمر المتوقع لدى مواطني الولايات المتحدة الأميركية بمقدار 1.1 سنة في العام 2020 نتيجةً لارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا ولم يشهد العالم مثل هذا الانخفاض في معدّل العمر المتوقع منذ الحرب العالمية الثانية.
والمُقلق في الأمر أن الوضع كان أسوأ بالنسبة للأقليات العرقية التي تعاني من التهميش في المجتمع الأميركي، حيث قضت الجائحة على التقدّم المهم الذي حصل خلال العقد الماضي في ردم الهوة في متوسط العمر بين مختلف المكونات العرقية، فقد سُجّل تراجع ملحوظ في معدل العمر المتوقع عند الرجال من أصول إفريقية بلغ ثلاث سنوات فاحتمالية إصابة الرجال من ذوي البشرة السمراء بالفيروس، تفوق تلك التي لدى أقرانهم البيض بثلاث مرات، واحتمالية وفاتهم بهذا الفيروس تبلغ أضعاف أبناء العرقيات الأخرى: ويُعزى ذلك لطبيعة الأعمال التي يقومون بها، وازدحام أماكن سكناهم وصعوبة حصولهم على الرعاية الصحية المناسبة.
واذا ما كان هذا الوضع في دولة مثل الولايات المتحدة فلك أن تتخيله في الدول التي توصف بالنامية والتي تعاني حتى قبل حدوث هذه الجائحة من تردي المنظومة الصحية وغياب العدالة في الحصول على الرعاية الصحية وتفشي الأمراض المختلفة والعوامل التي تتسبب بها.
ولطالما اعتبرت معدلات العمر المتوقع من أهم الإنجازات التي تتباهى بها الدول للدلالة على كفاءة نظامها الصحي والاجتماعي. وقد حققت مختلف دول العالم تقدّماً ملحوظاً في هذا المجال خلال العقود الماضية فعلى سبيل المثال ارتفعَ معدّل العمر المتوقع عشرة أعوام في الولايات المتحدة منذ منتصف القرن الماضي. أمّا قارة آسيا فقد شهدت زيادة غير مسبوقة في معدّل العمر المتوقع منذ منتصف القرن الماضي بلغت 30 عاماً، وذلك نتيجة التقدم المستمر في الطب وتطور النظم الصحية والاجتماعية بالإضافة للقضاء على الكثير من الأوبئة، وتحسين مصادر المياه، والصرف الصحي، والقضاء على الأميّة كل هذا كان له دور حاسم في تحقيق هذه الإنجازات.
لكن الجائحة باغتتنا منذ عام، واستهدفت بلؤم شديد الشرائح الأضعف في المجتمعات: سواءً كبار السن أو ممن يعانون من الأمراض المزمنة، أو أفراد الطبقات المهمشة، لتودي خلال فترة قصيرة بإنجازات تراكمت عبر السنوات الطويلة، واستهلكت الكثير من الجهد والمال.
ويتوقع العلماء أن ما نشهده الآن ما هو إلا القمّة الظاهرة لجبل جليد ضخم، وأن هذه الأرقام ستزداد سوءًا في المستقبل القريب، عندما نتبيّن نتائج الموجات المتتابعة لهذه الجائحة.
وقد نشهد قريباً كُلفاً وخسائر غير ظاهرة لنا اليوم، ستترتب على كاهل المنظومة الصحية، نتيجة التركيز على التعامل مع جائحة كورونا وإغفال جوانب صحية أخرى مهمة مثل: الأمراض غير السارية والأمراض المزمنة وقد نشهد نتائجها قريبا، والتي من المتوقع أن تكون كلفتها البشرية أعلى كلفة من آثارالجائحة نفسها، وإن لم تحظ بنفس الزخم الإعلامي.
لقد جاءت هذه الجائحة لتغيّر الكثير من المسلّمات، ولتكشف هزال بعض هذه الأرقام التي كنا نطاردها ونتنافس لتحقيقها، ونتفاخر بتسجيلها، إلا أننا تناسينا هشاشتها، ونحن نسعى لتحسينها، وفي أول مواجهة لنا مع هذا الكائن الصغير تغيرت هذه الأرقام وتراجعت كثيراً. وحريٌ بنا عوضاً عن السّعي لإطالة الحياة، أن نولي اهتماماً خاصاً بنوعية هذه الأعوام المضافة إلى خانة العمر، وتقييم مدى صلابتها في مواجهة الملمات.