لا يزال مبنى مجلس النواب في حي العبدلي بعمان هو ذات المبنى الذي شهد تسعة مجالس نيابية على الأقل في ثلاثين عاما مضت ، وجدرانه تشهد على قامات وطنية رحل منهم من رحل وبقي منهم من لا يزال حياً على قيد الوطن، مرّت عليه أسماء طاولت القبة الوطنية كما مرّت عليه أسماء لم يحفظها التاريخ السياسي ولا الإحصاء العددي، ولكنه شاهد على أحداث تتالت عبر المجالس لخصومات ومنازعات وخروج عن قواعد السلوك المنضبط، ولعل أخطر ما حدث في تاريخه عندما دخل أحد النواب يحمل سلاح الكلاشينكوف ليهدد زميلاً له، حيث هرب الجمع وتصدت له النائب مريم اللوزي التي قبضت على السلاح.
مثل حادثة الكلاشينكوف وقعت أحداث أكثر إيلاما، من شتائم بذيئة وعض بالأسنان وضرب بالأيدي وتنابز واتهامات، وهذا يحدث في الكثير من برلمانات العالم، ربما هناك استثناء في الكونغرس الأميركي، حيث سألت موظفاً في لجنة الشؤون الخارجية ونحن في القاعة الحمراء في الكابيتول: هل يتشاجر أعضاء مجلس الشيوخ، فأجاب لم أشهد أي شيء من ذلك، وأنا أعتقد أن السبب هو أكثر من عقلانية الزعامات هناك، فهم لا يختارون السيناتور لأسباب عشائرية أو دعم حكومي بل يعتمدون شخصيات قطعت شوطا طويلا في أعماق السياسة الخارجية والداخلية وهدفهم الأول والأخير المصلحة العليا للدولة الأميركية.
من هنا يظهر مجددا العجز في معالجة الحوادث والمواقف غير المرغوب بها عند من نسميهم ممثلي الأمة الأردنية ، فلا عقوبة دون محاكمة عادلة، وإذا كانت الكلمات والألفاظ هي محددات إيقاع العقوبة، فالأولى أن يدخل أعضاء مجلس النواب جميعهم في دورات ابتدائية لتعليم «الإتيكيت» البرلماني، وتشكيل لجنة نظام محايدة للفصل بين الخلافات الشخصية عند النواب، فالنائب المحصن دستوريا يجب أن يكون قدّوة وعلامة فارقة في أخلاقيات التعامل مع الأحداث وإعلاء شأن المجلس، ولكن للأسف نرى البعض يسيؤون لسمعة ومكانة المجلس وكأنهم في مقهى لا في مبنى عميد التشريع الأردني.
في المقابل نرى إن الكيل بمكاييل مزاجية تلقي عن كاهل البعض ضعف أدائهم وتلغي وجودية الحقيقة التي يتعامى عنها الآخرون لنفي العجز الذي يصيب السلطة التشريعية في رؤية الانسداد في الحياة السياسية ومحاولات تحطيم الروح المعنوية للوطن والدولة والمواطن الذي يمثله أي عضو في مجلس النواب، ليس سوى معول هدم لا أداة بناء بدواعي الحفاظ على الهيبة والسمعة المدعاة، فقوة البرلمان هي قوة للدولة وللنظام وللعرش، أفلا ينظرون الى الحرم القدسي كيف تدخله قطعان الصهاينة بقيادة وزراء وأعضاء برلمانهم وبحراسة الشرطة.
وحتى لا نرى مشهد الكلاشينكوف في أي نادٍ ديمقراطي وحتى لا يكون عاراً علينا مجددا كشعب على الأقل، على المسؤولين في الدولة ومجلس النواب إعادة النظر فيما قفز اليه أعضاء المجلس من إصدار قرارات تأزيمية ومصادرة حق الآخر فيما يقوله، حتى لو أخطأ عضو ما فهذا يسجل عليه لا له، وعليهم أن يتذكروا كيف كانت رجالات الأردن العظيمة الذين خاضوا معارك سياسية تحت قبة البرلمان القديم دفاعا عن القيّم، إذ كان همهم صون الدستور والقانون والدفاع عن حقوق المواطنين لا حرمانهم من التمثيل دون فهم لروح الدستور والتشريع. مرة أخرى أقولها :اجبروها قبل أن تنكسر، فالأردن لا ينقصه ضعضعة أوضاعه الداخلية أكثر مما هو عليه خارجيا.