2024-11-26 - الثلاثاء
00:00:00

آراء و مقالات

سيحدث إذا قررت أمتنا أن تنهض

{clean_title}
حسين الرواشدة
صوت عمان :  


في عام (1608م) قرر مجلس الدولة في اسبانيا بالإجماع طرد المسلمين الذي أطلق عليهم (الموريسكيين ) وتعويض النبلاء عن طرد خدمهم بأموال ( الموريسكيين) المصادرة، وحين تأخر بعضهم عن السفر صدر قرار قضائي تم بموجبه منح جائزة بمقدار (60) ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، و(30) ليرة لمن يأتي برأس مسلم مقتول، كما صدرت قرارات أخرى يمنع فيها اي شخص من إخفاء ( المسلمين) او نصحهم، وحكم على من يفعل ذلك بالأشغال الشاقة لمدة (6) سنوات ... وقد بلغ عدد المسلمين الذين طردوا نحو مليون شخص ... ويمكن لمن أراد الاستزادة لما حصل لهم في محاكم التفتيش من حرق لكتبهم وإرغامهم على ترك دينهم، العودة الى كتب التاريخ، علما بأن هناك الآن نحو (4) ملايين نسمة من أصل (35) مليوناً من أحفاد الموريسكيين يعيشون في المغرب (والآخرون يتوزعون في موريتانيا وجنوب الفلبين وغيرهما) وقد رفضت اسبانيا الاعتذار لهم او تعويضهم عن ممتلكات أجدادهم او منحهم الجنسية .

اشير الى هذه الواقعة التاريخية لسببين : الأول يتعلق بالقانون الذي استصدره الحزب الحاكم في اسبانيا بضغط من الجماعات اليهودية (2014)، وبموجبه سمح لأحفاد اليهود الشرقيين بحق العودة الى اسبانيا، وأسقط كل الشروط السابقة على اليهود الشرقيين الذين طردوا من بعد سقوط الحكم الإسلامي هناك، مثل عدم ازدواجية الجنسية ( ويقدرّ أحفاد هؤلاء بنحو 3 ملايين يهودي)، القانون، بالطبع، لم يشر أبدا الى المسلمين (المريسيكين) الذين طردوا آنذاك وتعرضوا لشتى أنواع العذاب و القتل .

اما السبب الثاني فيتعلق بواقعة العدوان على غزة، وبما جرى على هامش الإجابة على سؤال ما بعد الانتصار من محاولات للتيئيس والقبول بما تطرحه إسرائيل من شروط، استكمالا لتمرير استحقاقات صفقة القرن، ثم شطب اهم مرتكزات القضية الفلسطينية، ومنها « حق العودة «، هذا الذي لم نسمع أحدا يتحدث عنه بجدية، وكأن ما جرى أصبح قدرا لا مفر للفلسطينيين المهجرين من قبوله والاستسلام له .

اذا تجاوزنا ( عقدة) النقص التي تلازمنا حين نسمع مثل هذه الأخبار، والتي تدفعنا الى الإحساس بالحزن و المرارة او ربما الى اللامبالاة،، فإن قراءة ما حصل بعيون سياسية يستوجب الانتباه الى ان ما فعلته الجماعات اليهودية في اسبانيا بدعم من دولتهم ومن ( اللوبي) الصهيوني يشكل انجازا يحسب لهم، فالذين طردوا من اسبانيا لم يكونوا اليهود الشرقيين (سفارديم) وحدهم،وإنما طرد المسلمون آنذاك وتعرضوا اكثر من غيرهم لشتى انواع الظلم و الاعتداء، لكن هؤلاء اليهود لم يتنازلوا عن حقهم، وسخروا كل إمكانياتهم في معركة (حق العودة) حتى انتصروا فيها، أما نحن فمشكلتنا اننا (نسينا) تاريخنا وحقوقنا، ومن العبث ان نتوقع بأن الآخرين الذين استخفوا بنا كعرب ومسلمين سيقدمونها لنا هدية على طبق من ذهب .

إذا دققنا أكثر في مسألة ( حق العودة) لليهود الشرقيين، سواء في اسبانيا او قبلها في البرتغال، فإن اول ما يخطر الى البال هو ( حق) عودة الفلسطينيين الى بلادهم التي طردوا منها، وبعضهم مازال قيد الحياة، كما ان هذا الحق مقرّ في القوانين الدولية، ولم يمض عليه الا نحو(70) عاما، بمعني ان الحدث ما زال طازجا مقارنة بما حدث لليهود عام 1492 اي قبل 522 عام، لكن الفارق هنا هو ان ذلك الحق (اليهودي) مقدس ولم يتم التنازل عنه، فيما حق الفلسطينيين قابل ( للتفاوض)، كما ان أولئك اليهود الذين لا يزيد عددهم في العالم عن (15) مليوناً تمكنوا من انتزاعه، فيما تعجز امة يزيد عددها عن ملياري عربي ومسلم من انتزاع حق الفلسطينيين بالعودة الى بلادهم .