على الرغم من أن القاعدة الأخلاقية تؤكد أن وقوع أي أزمة حادة أو كارثة صحية كما نراها جميعا في العالم، تتطلب التخلي عن الأنانية والطمع وتقديم المساعدة قدر المستطاع للمحتاجين لها كما رأينا في دول العالم المتحضر والإيثار على النفس لتقديم المعونة عمليا وماليا، فإننا نرى الوجه البشع للاستغلال الذي يمارسه البعض للتكسب المالي على حساب مصائب الناس، وليس أكثر دناءة من استغلال حاجة المريض للعلاج مقابل إخضاعه لأهواء حفنة من أطباء يدركون تماما أنهم أقسموا على الالتزام بمعالجة ومساعدة المرضى قبل التفكير بسعر الفاتورة، وهذا الإيثار رأيناه بكل فخر وتقدير لأطباء القطاع العام والممرضين والعاملين طيلة عام مضى.
لقد قدم قطاع الصحة الحكومي خلال فترة الجائحة أقصى ما عندهم، وتركوا بيوتهم وأطفالهم وانخرطوا كمقاتلين في معركة الفيروس، وقدم عشرات الأطباء أرواحهم في سبيل معالجة المرضى، ورغم ما تعانيه وزارة الصحة من ضغوطات هائلة مالية وبشرية ومنهم الأطباء الذين يتقاضون رواتبهم المتواضعة، ومع هذا نجد أن هناك في القطاع الخاص من لا يزال فاغرا فاه ليبتلع أكبر جائزة يستطيعها كالتماسيح في بحيرة سمك السلمون، ولا تزال المستشفيات الخاصة تتذرع بأزمة الأسرة وتتقاضى آلاف الدنانير للمرضى الذين يعانون من كورونا، رغم أن الجميع يعرف أن ليس هناك علاج أكثر من أجهزة التنفس، ومع هذا يموت المريض ولا تسقط فاتورة حسابه.
لقد شكا لنا العديد من المواطنين ممن يُخضعون مرضاهم للحجر المنزلي نتيجة الإصابة بالأمراض المزمنة أو فيروس كوفيد، بأن هناك استغلالا ماليا بشعا وصل حد تقاضي الحد الأدنى أجرة الزيارة المنزلية الى مئتي دينار خلال نصف ساعة والمشكلة أنهم بحاجة الى متابعة حالة المريض، عدا عن أن القضية أصبحت تجارة بشعة خصوصا عندما يتم توزيع الأدوار بينهم، وهذا يشمل أنابيب الأوكسجين التي يستطيع المواطن تعبئتها بثلاثة دنانير من المصنع فيما هناك من يبيعون التعبئة بأكثر من ثلاثين دينارا، رغم أنها لا تكفي سوى ليوم أو يومين، فماذا سيفعل الناس الذين لا يملكون المال.
لقد مرّ علينا الكثير من القضايا التي دفع المرضى مبالغ طائلة للمستشفيات وللأطباء ومع ذلك توفى مرضاهم ولا يتم خصم أي مبلغ من الفاتورة، ومثلهم من خرج من مرضه وابتلي بديونه، وهذا هو قمة المأساة التي نعاني منها منذ ثلاثين عاما نتيجة عدم تطبيق قوانين مراقبة حازمة لتحديد سقوف أسعار المعالجات، وأكثر من ذلك أن بعض المستشفيات حسبما أخبرنا أهالي المرضى، لا تقبل بالتأمين الصحي وتطلب الفاتورة نقدا، وهذا يستدعي إشكالات مع شركات التأمين بما يتعلق بالأسعار حسب تقييمهم.
لقد بات من الضروري مراقبة «أطباء الشنطة» ونرجو أن يكونوا قلّة، بأن لا يسعوا الى الربحية الفاحشة على حساب صحة المرضى، فالناظر الى دول حولنا يجد أن تذكرة السفر الى هناك والإقامة في الفندق والمستشفى والإستشفاء والنقاهة لا تتعدى سعر ليلتين في مشفى خاص عندنا.
أخيرا ومع ازدياد حالات الإصابة واكتظاظ المستشفيات، أقترح على الحكومة وضع اليد على الصالات الرياضية في الجامعات العامة والخاصة جميعها المغلقة الآن وتجهيزها لإدخال المرضى عبر ممرات خاصة وتوظيف أعداد أكبر من الطواقم الطبية بشراء خدمات مؤقت.