لا شك بأن المصيبة الفادحة التي وقعت صبيحة الأمس في مستشفى السلط الجديد قد أطاحت بالجدار الواهي الذي يختبىء خلفه المسؤولون، أكان على مستوى وزراء أو مدراء، فالنتيجة التي أفقدتنا سبعة أرواح أعز من كل المناصب هي لوحة كبيرة مفادها قفوهم فإنهم مسؤولون، ليس للموظفين الصغار بل وحتى لمن يتسنم إدارة الحكومات ولا يعترف بخطأه ومسؤوليته الأدبية، وهذا ما دفع الى المحاسبة الأخلاقية لرأس هرم القطاع الصحي الوزير نذير عبيدات بأوامر ملكية صارمة.
في السلط كان جلالة الملك أسبق من الجميع للوقوف على ما جرى، وقد رأى رأي العين الحال الذي تدحرجت فيه القلوب إلى الحناجر وهي تنازع بأنفاس لم تصل إليها بسبب إهمال ولا مبالاة وعناد مسؤولي الصحة في محافظة البلقاء، ولم يشف غليل الأهالي إلا عندما توسطهم الملك غاضباً ومؤنباً للمسؤول المباشر عن إدارة المستشفى وابلاغه شخصياً بتقديم استقالته لحين صدور نتائج التحقيق الذي تقوده السلطة القضائية، حيث كانت لهبة الملك هناك أكبر أثر في نفوس الثكالى وثقتهم بأن هناك من سيحاسب حسابا عسيرا نتيجة تفريطهم بالأمانة التي أولكت إليهم.
من هنا يجب أن يتعلم المسؤولون من دروس التاريخ القصير عندما تورط وزراء من قبل بمسؤوليتهم الأدبية عن حوادث كارثية وقعت فيما مضى من سنين، فتلوث المياه نهاية التسعينات أطاح بوزير المياه، والسماح لموقوف بالعلاج للخارج أطاح بوزيري الصحة والعدل، وحادثة غرق الطلبة في البحر الميت أطاحت بوزراء، وهذا لم يحدث إلا بعدما تدخل الملك لإعادة ميزان الحق لأرواح المواطنين الذين باتوا في عراء السلطة التنفيذية، فإلى متى يكسر المسؤولون عظم القانون الأخلاقي الذي يحتم عليهم متابعة صغائر الأمور قبل كبائرها، ثم يستندون إلى مبررات واهية ومستفزة للشعب، فيتدخل الملك ليجبّ الضرر ويقتلع أشواكهم.
لقد رأى الجميع كيف كانت الأخلاق الرفيعة لأهالي السلط وهم يتنادون على بوابات المستشفى متباكين على الحدث الجلل، وكيف استقبلوا جلالته لحظة وصوله، وكيف أحاطوا به بالهتافات والفرح، رغم أنه استشاط غضباً لما رأى وسمع، ورغم أنه لم يتخلّ عن وقاره كملك وأب للجميع، فإنه وقف مجادلاً لمسؤول يريد الفرار من مسؤوليته عن توفير أنابيب الأوكسجين لقسم العزل الذي هو الأحوج إليها لديمومة التنفس عند المصابين، فعزله فوراً.
الملك عندما قرر تشكيل لجنة عسكرية بقيادة مدير عام الخدمات الطبية الملكية للتحقق مما جرى في السلط، قد كان متأكداً من أن الحزم والضبط والربط في المؤسسة العسكرية هي من تعطي نتائج حقيقية وصادقة، وتوجيهاته للحكومة بإعادة تنظيم مستشفيات وزارة الصحة ومتابعتها كانت حافزا للحكومة أن تشكل لجنة طوارئ في كافة المستشفيات للتأكد من سلامة صحة المواطنين الذين باتوا لا يملكون ثمن العلاج، وهذا ما ينتظره الناس من رئيس الحكومة بشر الخصاونة الذي صدع واعترف بالمسؤولية الأدبية المنطوية بمشاعر الخجل للتقصير الفادح.
هنا يظهر سوء تصرف بعض المسؤولين، وكأنهم فوق قانون المحاسبة وغير مكترثين لواقع أحوال الناس في ظل جائحة باتت تحصد الأرواح وتقطع أرزاق الناس وتدفعهم الى الغضب وحالة الهيجان أحيانا، وهذا يدفعنا الى التروي من قبل السلطات لئلا نعسكر البلد بإجراءات خانقة خشية التفشي بينما لا تتوفر أجهزة التنفس في القطاعات الصحية التي أكد الملك على توفيرها مرارا وتكرارا، ألا يكفينا وزيرا صحة خلال خمسة أشهر لنعلم أن الطاقة الاستيعابية في المستشفيات الحكومية قد وصلت حدها الأقصى ؟
ما يحتاجه هذا الوطن رجال لا تأخذهم الغفلة ولا التراخي عن حقوق المواطنين.