في كل مرة تعلن فيها الحكومة عن عقد مؤتمر صحفي يتهيؤ لي ان هناك خبرا مفرحا او مفاجأة جديدة او بشرى قد يجري الاعلان عنها لتحدث انفراجا في الشارع الاردني المأزوم . في مرات عديدة كنت اتوقع ان يخرج علينا الوزراء والناطق الرسمي بالقول ان البلاد قد فرغت من وضع خطة شاملة لتطعيم 5 ملايين مواطن خلال 4 أشهر واننا نتوقع انحسار الوباء وتراجع ارقام الاصابات الى النصف خلال الشهر القادم والى اقل من العشر بعد ثمانية اسابيع.
لا شيء مما يدور في مخيلتي حصل ولا اظن انه سيحصل فالتجربة تقول ان القرارات الحكومية ما تزال معنية ومتوجهة نحو الموازنة بين سياسات التباعد والحفاظ على مصادر دخل لغالبية الاسر فهم يؤكدون اهمية ارتداء الكمامات من قبل الجميع والتباعد في الاماكن العامة ومحاولة فرض الرقابة والتشديد على حجم الجماعات واعداد الافراد المسموح لهم بالالتقاء في مكان واحد.
فيما يخص المطاعيم فالعملية بطيئة للغاية حيث لم يزد عدد من تناولوا المطعوم على 80 الف شخص ولا احد يملك تصورا حول متى وكيف سيتم تطعيم من هم بحاجة للمطاعيم. في الاردن بدأ التسجيل للمطاعيم منذ اكثر من ثلاثة أشهر ولا تزال النسبة المئوية لمن حصلوا عليه اقل من 1 %.
في بلادنا ترتفع اعداد الاصابات بشكل يفوق التوقعات والاموات يزدادون يوما بعد يوم والوزراء يقولون اشياء تشير جميعها الى ما يمكن ان يقوم به المواطن ولا اخبار دقيقة عن متى ستصل كميات كافية من المطاعيم ولا الاعداد التي يمكن ان تتلقى المطعوم في غضون الاشهر الثلاثة القادمة كما يفعل الجيران.
في بلد يعتبر في طليعة دول الاقليم في الصناعات الدوائية يتطلع الاردنيون الذين يوفرون لحكومتهم اكثر من 70 % من ما تقوم بانفاقه ان تتوافر لهم المطاعيم الضرورية للابقاء على حياتهم. فمن الصعب ان نبقى نشدد على الكمامة والهايجين في الوقت الذي وفرت الدول المجاورة والصديقة المطاعيم لسكانها وقطعت شوطا متقدما في توزيعها وتنظيم ترتيبات العودة الامنة للحياة الروتينية
لا اعرف السبب الذي قادني لتذكر رواية جبران خليل جبران الصادرة بعدة لغات منذ 1912 .فالرواية تتحدث عن قصة حب لشاب يدعى "فارس” يتعلق بفتاة اسمها "سلمى” حيث يذهب لزيارة اسرتها وفي كل مرة يزداد عشقه لها قبل ان يفاجأ بقرار اسرتها تزويجها لرجل ميسور تقرب من اسرتها طمعا في الثروة والثراء. زواج سلمى من رجل اخر لم يثنِ الشاب العاشق عن مقابلة المعشوقة التي بقي يقابلها سرا طوال خمس سنوات لتنتهي الاحداث بحملها وموتها مع المولود.
في الرواية التي مضى على اصدارها اكثر من قرن تجسيد لصور الخيبات التي يواجهها الانسان وهو يسعى لتحقيق احلامه في العيش والتواصل والكرامة وتوصيف لاوجه واشكال التهديدات والتقاطعات والعوامل التي قد تتضافر لتطيح بكل ما نحلم به ونتمناه مع الابقاء على بعض من الحيل والمحاولات التي يبتدعها الانسان لادامة الامل والحياة ومقاومة كل اشكال الفشل والاحباط والخيبات التي تتولد من هذه المعاناة .
الصبر والتصميم والمقاومة ورفض الاستسلام بعض من المكينزمات التي تتوالد في النفس البشرية فتعمل على ادامة الامل في النجاح وترفع من درجات التعلق بالاهداف والالتزام بالوسائل والاساليب فتمكن الانسان من مقاومة الفشل والتكيف مع الهزيمة وتطوير الاساليب التي تساعد على الالتفاف لتجاوز المعوقات وتذليل العقبات التي توضع لتحول بينه وبين ما يرمي اليه.
الرد على مبالغات الاردنيين في الحديث عن الاثر الاقتصادي للجائحة ودحرجة رؤوس من يسربوا المعلومات واصدار الاوامر لكل من يهمه الامر قرارات واجراءات مهمة لكنها لا ولن تغنينا عن توفير المطاعيم اذا ما اردنا ان نحمي ارواح بعض مواطنينا الذين هم اغلى ما نملك.