خمس ملاحظات/خلاصات، أجدها الأكثر أهميةً، عند الحديث عن أثر «انتفاضة القدس وسيفها» على الأردن، وعن دور الأردن في المرحلة المقبلة، فلسطينياً وإقليمياً ودولياً:
أولاها؛ بخلاف ما ظل الخطاب الرسمي ينطق به، فإن مواجهة الفلسطينيين للاحتلال، وتصديهم الباسل لهم، وبمختلف الأشكال والأدوات، وعلى مختلف الساحات والجبهات، ومن وراء كافة الخطوط الخضراء والصفراء والحمراء، فيه مصلحة أساسية للأردن...فالستاتيكو الفلسطيني ليس سوى طريقاً مختصراً، لتبديد فرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وكيف تكون كذلك، فيما إسرائيل لا تعرف الستاتيكو، والوقت عندها، يعني مزيداً من المستوطنات والمستوطنين، وتقدماً على دروب الضم والتهويد والأسرلة والمصادرة...الستاتيكو الفلسطيني، يعني تهويد القدس وتهديد الرعاية الهاشمية للمقدسات، فيما الفعل الفلسطيني المقاوم والانتفاضي، يوفر حماية لأعمق مصالح الأردن في الحل النهائي، ويسيّج الرعاية الهاشمية، بخطوط دفاع شعبية فاعلة ومؤثرة.
ثانيها؛ الحراك الفلسطيني، المقاوم والانتفاضي، يُكسب الرواية الأردنية مزيداً من المصداقية و»الشرعية»، والمسؤول الأردني بمقدوره اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن يُخرج لسانه ساخراً من كل الذين سعوا في تهميش القضية الفلسطينية، والتقليل من مكانتها، والترويج للتطبيع والأحلاف القافزة من فوق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلية...الرواية الأردنية التي أبقت القضية الفلسطينية، في صدارة أولويات الإقليم وصراعاته وأولوياته، تكتسب اليوم زخماً إضافياً، لا ينقصه سوى تحرك سياسي ودبلوماسي أردني، مبادر ومبادئ، لاسترداد ما هو لنا من أدوار تاريخية، تمليها الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا وروابط القرابة والنسب والذاكرة الجمعية.
ثالثهما؛ أن سياسة وضع «البيض» كله، في سلة السلطة، وتجاهل الأطراف الفلسطينية الأخرى، إن لخلاف سياسي- عقائدي، أو لمخاوف من امتدادات محلية لهذه الأطراف، قد وصلت طريقاً مسدوداً، وباتت قيداً على أداء الدبلوماسية الأردنية...من الحكمة والمصلحة، استدخال مزيدٍ من التوازن في سياسات الأردن وعلاقاته مع مختلف الكيانات والمكونات الفلسطينية...لا تستطيع أن تواصل الجري إن أنت أطلقت النار على قدميك...
هنا نفتح قوسين للتأكيد على أنه يتعين على صانع القرار الأردني، أن يفصل وهو يرسم خطوط تحركه على المسار الفلسطيني بتشعباته، ما بين أولوياته ومصالحه على هذا المسار من جهة، ومخاوفه المحلية وحساباته الداخلية، خصوصاً ما يتعلق منها بالمعارضة الإخوانية من جهة ثانية...أي دمج بين المسارين، سينعكس بالضرر على المسارين معاً.
رابعها؛ على الأردن، ألّا ينخرط بشكل من الأشكال، في مشاريع لإعادة هندسة الداخل الفلسطيني، التي تفكر بها واشنطن، من نوع «محاصرة حماس» ومنعها من قطف ثمار «انتفاضة القدس وسيفها»، وإعادة تعويم السلطة وإحياء عظامها وهي رميم...لا يستطيع الأردن أن يمنع هذه المحاولات، لكن بمقدوره تفادي التورط بها، هذه ليست وظيفتنا، ودور الأردن أن يدعم الحوار والمصالحة، وأن يترك للشعب الفلسطيني أمر اختيار قياداته وفصائله ورسم خياراته، تلكم ملاحظة/خلاصة، تستكمل ما بدأنا به، من دعوة لعدم وضع البيض كله، في سلة فريق فلسطيني بعينة.
خامسها؛ ويتصل بالموقف الشعبي، الذي خرج بعشرات الألوف إلى الشوارع والميادين والحدود، كما لم يحدث من قبل، وكما لم يحدث في أي دولة عربية...الأردنيون يصفّون حسابهم، وإن بأثر رجعي مع «صفقة القرن»، والأردنيون الذين كانوا عبّروا عن مشاعر النخوة والتضامن مع أشقاء لهم غرب النهر، كانوا يلفظون ما يجيش في صدورهم، من مشاعر غضب ورفض لسياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية... صحيح أن العنوان الرئيس لحراكهم تمركز حول فلسطين، لكن الصحيح كذلك أن ثمة جملة من العناوين المتفرعة، إنما تتصل بالداخل الأردني، وفي ظني أنه يتعين على صانع القرار تفكيك الموقف الشعبي المركب، الذي اندلع بين أزمتين: فتنة الأمير في نيسان، وأزمة النائب في حزيران.