2024-11-27 - الأربعاء
00:00:00

آراء و مقالات

عن الاستقلال وبمناسبته : ثلاث فرضيات متهافتة

{clean_title}
عريب الرنتاوي
صوت عمان :  


أعياد الاستقلال، اليوبيلية منها بخاصة، تكون عادة مناسبة للتأمل والمراجعة...في العيد الخامس والسبعين، سأتوقف عند ثلاث فرضيات «متهافتة»، يجري تداولها بين حين وآخر:

الأولى؛ في معنى الاستقلال ذاته، ولقد رأينا وقرأنا تعليقات سوداء تستكثر على الأردن والأردنيين احتفاءهم باستقلالهم، بحجج وذرائع باتت معروفة ولا داعي لتكرارها.

حسناً أيها السادة، لم يأت استقلال 1946 كثمرة لحرب استقلال، أو كنتيجة لمقاومة عارمة وحركة تحرر وطني لا يشق لها غبار...بيد أنه يتعين على المرء أن يكون جاهلاً أو جاحداً، حتى يتنكر لنضالات الأردنيين في سبيل استقلال بلادهم وعروبتها، وإخراجها من «مظلة بلفور»، وضيق الأردنيين بالوجود البريطاني في بلادهم...الرفض الأردني الشعبي للاستعمار والصهيونية واتفاقات التجزئة والتقسيم، سابق حتى لقيام الإمارة...صحيح أن الاستقلال جاء أساساً، ثمرة لجهد وحراك دبلوماسيين قاده الملك المؤسس، وصحيح أنه احتاج لعشر سنوات ليكتمل بتعريب قيادة الجيش العربي، لكن ذلك أبداً، لا ينبغي أن يمس بحق الأردنيين في تعظيم هذه المناسبة والاحتفاء بها...ودلّونا على دولة عربية واحدة، تتمتع باستقلال «أعمق» من استقلالنا.

الثانية؛ أطروحة «الدولة الوظيفية»...ليس في العالم أبداً، «دول وظيفية»، هناك أنظمة وظيفية وحكومات وظيفية، والأنظمة والحكومات تتغير وتتبدل، وسياسات الحكومات وتحالفاتها تتغير وتتبدل، وفقاً لمفهوم «الصالح العام»...ثم ما هي هذه الوظيفة التي تستوجب صمود دولة بعينها مئة عام، بانتظار تحقيقها أو إتمامها؟ ...وهل «وظيفية» الدولة، سمة ملازمة لها، لا تستقيل منها ولا تستريح؟ ...هل تبقى الدولة منذورة لوظيفة بعينها، أم أنه يتعين عليها البقاء جالسة على «دكّة الاحتياط» بانتظار وظائف أخرى؟ ...ثمة توسع في استخدام مصطلح الدولة الوظيفية، وغالباً في سياق «حروب الاتهامات» بين المحاور المتناحرة في الإقليم.

الثالثة؛ مسألة الهوية الوطنية، وهي أيضاً قضية تستدعي التوقف...ثمة نظرة استشراقية للأردن كخليط غير متجانس، من خيم اللاجئين و»بيوت شعر» الأردنيين (بدو ولاجئين) ...وثمة نظرة من عَلٍ لمسألة الهوية الوطنية الأردنية، من قبل مثقفين وسياسيين بمرجعيات «فوق قومية» و»فوق يسارية»...وثمة زاوية ضيقة، يراد حشر الهوية الأردنية فيها: أي في مواجهة الهوية الفلسطينية.

الخلاصة أن المصادر الثلاثة لنزعات استصغار الهوية الأردنية وشيطنتها، تبدو بذاتها، عرضة للجفاف والتلوث...فكيف لمجتمع بدأ بدوياً – ريفياً أن يظل كذلك بعد مئة عام على تأسيس دولته، ومحو أميته، ووصول الماء والكهرباء والاتصالات والمواصلات لأزيد من 98 بالمئة من تجمعاته السكانية، وبما يفوق دولاً أكثر منه اقتداراً؟ ...البدو تحضروا من دون تخلٍ عن إرثهم، واللاجئون اندمجوا من دون نسيان أو تفريط بحقهم في العودة، والديناميات التي تعصف بمجتمعنا تضرب شتى منابته وأصوله، وهذا أولاً.

أما ثانياً، فإن مراكز حضرية كبرى في العالم العربي، ظننا أن هويتها أكثر رسوخاً واستقراراً وعمقاً في التاريخ، وجدنا أنها لا تختلف عنا بشيء، بل أن هويتنا الوطنية، ربما تكون أكثر استقراراً وتجذراً من هوياتهم، وشكراً لسنوات الربيع العربي الكاشفة، التي جعلت استمرار التشدق بهذا المسألة، مهمة صعبة على أصحابها.

وثالثاً: فإن الهوية الأردنية، ليست نقيضاً للهوية الفلسطينية، حتى وإن وقع الالتباس والصدام في بعض المراحل...والهويتان تتقويان في مواجهة «هوية إلغائية»، صهيونية – عنصرية، تستهدفهما بالقدر ذاتها، والهوية الوطنية الأردنية، هوية تقدمية إنسانية إذ تتبلور في مواجهة الهوية الإلغائية، أما محاولات البعض من أصحاب الرؤوس الحامية، وضعها في صدام مع الهوية الفلسطينية، فهي محاولات تفتيتية - شوفينية – رجعية في مضمونها، تهدد الهوية الأردنية أولاً...تطوير الهوية الأردنية وتعزيزها في مواجهة «الهوية الصهيونية الإلغائية» فيه مصلحة للأردن وفلسطين، ولا يجوز بحال، أن تنحرف بوصلة «صدام الهويات»، أو أن تأخذ طريقاً خاطئاً ومضللاً، لأي سبب أو دافع. ولنا عودة لتناول هذه الفرضيات من جديد.