أعلن مجلس نقابة الفنانين عن وقف صرف التقاعد والتأمين الصحي لكافة أعضاء النقابة، يعني ذلك، وفق تصريحات الصديق النقيب حسين الخطيب،أن النقابة أفلست تماما، وأنه لا يوجد لديها الآن قرش واحد لكي تنفقه، وبالتالي فإنه نحو 3000 فنان سيحرمون من تقاضي تقاعدهم ا( يتراوح من 200إلى 360 دينارا شهريا ) ومن تأمينهم الصحي أيضا .
نقابة الصحفيين أيضا تعاني من أزمة مالية « خانقة «، فقد عمدت هذا العام إلى تقليص المبالغ التي تدفعها للتأمين الصحي، كما « شدت « أحزمتها على صعيد مصروفاتها الإدارية، وفي ضوء انقطاع إمدادات الصحف والمواقع الصحفية لها فيما يتعلق بنسبة الإعلانات التي تستحقها بموجب القانون، وعدم وجود إيرادات أخرى باستثناء اشتراكات أعضائها، لا استبعد أن تلحق بأختها نقابة « الفنانين «، هذا إذا لم تبحث وبسرعة عن موارد مالية أخرى، او لم تسعفها الحكومة بمقررات تساعدها في الوقوف على قدميها .
حالة الصحافة اليومية، (الرأي والدستور مثلا ) لا تختلف عن النقابتين، فمنذ أعوام يعاني العاملون في هذه المؤسسات من « ضائقة « مالية، تسببت في تأخير رواتبهم وتراكم مستحقاتهم المالية غير المدفوعة، وعدم انتظام التأمين الصحي وتراكم المبالغ المستحقة عليهم للبنوك والمؤسسات الدائنة، ناهيك عن « الإصابات « الأخرى التي طرأت على العمل الصحفي في المؤسستين، من جهة قدرتهما على شراء الورق وتسديد فواتير الكهرباء وغيرها من مستلزمات الاستمرار في العمل .
لا أريد أن « أوسع « فتحة « فرجار « الإفلاس الذي ضرب قطاعات أخرى، سواء كان في السياحة او في التجارة والصناعة وغيرها، أكتفي هنا ب» الفن والإعلام « باعتبارهما من أهم قطاعات صناعة الرأي والوجدان الشعبي، ومن أخطر « الاذرع» التي تعتمد عليها الدولة في التوجيه وبناء الوعي والحفاظ على الذاكرة الوطنية، وباعتبارهما أيضا المرآة التي تعكس القوة الناعمة والمؤثرة في أي مجتمع، واللسان الذي يعبر عن قضايا الناس وهمومهم ويحمل أيضا قيم الدولة ويدافع عن حضورها .
في موازاة حالة « الإفلاس « المالي الذي أشهرته بعض النقابات والمؤسسات الإعلامية، ثمة حالة من الإفلاس السياسي تمنع أي حكومة او مسئول من « رؤية « الواقع الذي وصلنا إليه، وبالتالي فإن معادلة الإفلاس التي تضافرت على إنتاجها العديد من الشروط والظروف الموضوعية، وربما بإرادة متعمدة، ستفضي إلى تجفيف أهم محركات الدولة والمجتمع، واقصد هنا الفن والإعلام، ولنا أن نتصور كيف يمكن لحالة « التصحر « الفني والصحفي حين تتزامن مع حالة « تصحر « سياسي « وقحط « اقتصادي، أن تصنع بمجتمع يحاول أن يستعيد ثقته في دولته ومؤسساته، ويصارع التحديات من أجل بناء مستقبل يليق به، الإجابة موحشة أكثر مما نتصور، ذلك انه في غياب الفن والثقافة والإعلام، والاستثمار فيها ومساعدة العاملين على إنتاج سردياتها وخطابها، الذي هو سرديات الدولة وخطابها العام، لا يمكن أن نفكر - مجرد تفكير - بمواجهة الأزمات الأخرى، أو الخروج من حالة اليأس والإحباط التي تحاصر أجيالنا الشابة، او حتى استعادة صورة الأردني الأصيل المنغرس في بلده، ونماذج « الخير « والجمال التي افتقدناها وما نزال نحاول استرجاعها، لكن للأسف بلا جدوى ولا نتيجة .