أسعدتنا – بالتأكيد – عودة الموقوفين على ذمة التحقيق في حادثة « الفتنة «، إلى بيوتهم وبين أهاليهم، لان ما جرى هو جزء من القيم التي تأسست عليها الدولة الأردنية، قيم السماحة والصفح والاعتدال، حيث الرحمة تتقدم على العدل، وحيث « طي الصفحة « وعدم الاستغراق في جراحات اللحظة، عنوان للحكمة التي افتقدها الكثيرون من حولنا، ودفعوا ثمن غيابها من الأحزان والخيبات ما لا يمكن لأجيال قادمة أن تصلحه.
الآن، نتمنى ان تدق ساعة الانفراجات، فنسعد بعودة الموقوفين على قضايا غير جنائية الى منازلهم، وبعودة المعلمين والموظفين الذين أجحفت بحقهم القرارات فأحيلوا للاستيداع او إلى التقاعد المبكر إلى وظائفهم، نتمنى أيضا ان نغادر مربع الاحتقانات الشعبية ولعبة الشد المتبادل بين الأطراف المختلفة داخل بلدنا.
لا مصلحة لأحد، أي احد، في « التأزيم «، وإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، إن أسوأ ما يمكن أن نفعله هو أن نتقاسم خسارتنا وخيباتنا بعيون مفتوحة على ترسيخ الأخطاء والاستغراق فيها، وأخطر ما نخشاه هو انقسام مجتمعنا على مسطرة «المظلومية»، وتقمص حالة « السواد العام «، حذار من ذلك..ففي مجتمعنا مساحات من «الخير العام «، ومن الصور المشرقة، ومن الإنجازات التي يمكن – لا بل يجب - أن نحدق فيها ونتكاتف لتعميمها وتصدير نماذجها، والأهم من ذلك أن كل ما نراه من اعوجاج هنا وهناك - وما أكثره - يمكن أن نصلحه، وأن نخرج من « قتامته « ومن صوره البائسة.
دعونا - بعيدا عن السياسة وأوجاعها - نفكر في المشتركات « الإنسانية « التي تجمعنا في هذا البلد العزيز علينا جميعا، أتساءل هنا فقط : من يقبل من المسئولين أن يجلس على مائدة الإفطار في هذا الشهر الفضيل وصرخات الظلم والقهر تدق في صدره ؟ خذ مثلا : صورة الأطفال والأمهات الذين ينتظرون عودة آبائهم وأزواجهم من السجن، صورة الموظفين الذين « ذابت « رواتبهم في خزانة مقررات الإحالة على الاستيداع والتقاعد المبكر بلا ذنب ارتكبوه، صورة المهددين بقطع أرزاقهم وتخويفهم من الكلام المباح وهمهم الحفاظ على بلدهم وإعادة العافية اليه.. هذه الصور الإنسانية هي مدخلنا لترتيب البيت الأردني، وهي المفتاح لإجراء ما يلزم من مصارحات بيننا، ومن توافقات أيضا.
يمكن للسياسة أن تفرقنا، لكن لا يجوز أن تجردنا من إنسانيتنا أو أن تدفعنا إلى التنكر لانسجامنا الاجتماعي، أو أن تحولنا إلى وحوش نتربص بأنفسنا ونرقص على أوجاع بعضنا، ونغلق الأبواب المشروعة أمام أبنائنا - حتى وإن أخطأوا -، حين نفعل ذلك كما فعل غيرنا -يا خسارة - سنفقد اعز قيمة بنينا عليها وطننا وضمنت لنا استقراره، وهي قيمة السماحة والعفو واستيعاب الكبير للصغير واحترام الصغير للكبير وتطييب الخواطر، أليست هذه كلها عنوان « الأسرة الأردنية « الواحدة التي رفعنا شعاراتها في كل المناسبات.
اكتب في هذا الشهر الفضيل بحزن وألم، ولدي رجاء واحد، وهو أن يلتقط المسئولون في بلادنا صرخات الإنسان التي تتردد داخل مجتمعنا، وأن يردوا عليها بلسان الأردني المحب لبلده، وبمقررات الحريص على خدمة أهله، وبمبادرات لرد التحية عليهم بمثلها أو بأحسن منها. الأردنيون يا سادة طيبون، وحريصون على بلدهم مثلكم تماما.. لا ينقصهم سوى أن يعيشوا بكرامة وسلام.