«كله بيطحن كلام»، هذا هو الوصف الأقرب لحال الذين يحلقون، ويضفون مزيدا من إثارة على تحليقاتهم، فيتحدثون عن سيناريوهات كثيرة، يتوقعون او يحاولون الإجابة على سؤال: ما مصير المتهمين بقضية (الفتنة الموؤودة)، وكيف سيتعامل الأردن مع هذه القضية؟!..وفي السياق سلسلة بل سلالات من الأسئلة التي يعتقدونها كبيرة، ساحقة ماحقة طاحنة!.
يشغلون أنفسهم بمآلات ونتائج المحاكمة بينما هم يسمون القضية باسم (الفتنة الموؤودة)، وهنا نلحظ (العجمة) اعني الأسئلة غير اردنية، او السائل بالتأكيد اردني لكن لا يعرف الأردن، ولا يعرف أخلاقه وأخلاق نظامه السياسي في ظل الحكم الهاشمي، أي أن الذي يفهم ويعرف ويملك أدنى معلومة عن السياسة الأردنية وقيمها، لا يحتاج إلى أن يشغل نفسه بمحاولة استقصاء إجابة على مثل هذا السؤال، فالقضية يا شباب (موؤودة)، والباقي تفاصيل غير مهمة ..
التفاصيل المهمة تكمن في الرسائل التي انطلق بعضها، وبعضها سنلتقطه كاملا عما قريب، لكنها بكل تأكيد، لا تشبه التفاصيل التي يبحث عنها من هم ليسوا بأردنيين، أو هم اردنيون لكنهم لم يتوفقوا حتى اليوم بفهم سياسة وأخلاق وقيم وأعراف بلدهم ونظامها السياسي.
مع البداية كتبت في هذه الزاوية، قللت فيها من خطورة الحدث، ووصفته بأنه زوبعة على حواف فنجان، ولا يعني هذا بأنني أنكره، بل أستنكر أن يكبر مادام في البيت الأردني الهاشمي، وقد صدقت توقعاتي حتى الآن، وهذه ليست معلومة بل هذا منطقي بالنسبة لبلدنا وسياستها ورجاحتها وتميز مواطنيها، الذين مهما ابتعدوا فهم لا يفرطوا بأعرافهم وأمنهم واستقرارهم.
الأردن، والهاشميون على وجه التحديد، هم من نجح في تثبيت هذه الدولة على خارطة العالم، رغم وقوعها استراتيجيا و(جيو سياسيا) على فوهة بركان غير مستقر، وسبق أن اوردت مثالا على الحكمة السياسية الأردنية الهاشمية بل وعلى الحنكة والدهاء السياسي المطلوب، الذي مكّن لملوك الأردن أن يحافظوا على بلدنا، بينما كل البلدان حوله شهدت تغييرات جذرية مؤسفة، وكان الأردن المرشح الأكبر لعدم الاستقرار بل والزوال من على الخارطة، لو كان نظامه السياسي يشبه في أعرافه وتفكيره وإخلاقه سائر الأنظمة التي نتحدث عنها.
حتى على الصعيد الداخلي؛ حدثت فتن مشابهة، استهدفت جلالة الملك الحسين، وتندرنا في غير مناسبة، أن بعض الذين خططوا لانقلابات أصبحوا فيما بعد وزراء».. وكذلك شاهدنا الملك الحسين يذهب الى السجن، ويحمل بسيارته الشخصية معارضين يهاجمونه، فيوصلهم إلى بيوتهم، وحتى المحاولات القادمة من الخارج، والتي حيكت تحت جنح الظلام، احتواها الأردن، وأصبح مخططوها وراسموها أصدقاء للأردن، وهذه حكمة وسياسية لا يجيدها أو يفهمها الصغار.
لا خوف على الأردن من كل هذه الفتن أعني ما ظهر منها وما بطن، ولا قطيعة أو هروب من مواجهة مؤامرات (الأعدقاء)، فهم أيضا يمكنهم ان يتفهموا الحكمة والتسامح الأردنيين، وسوف (يعتذرون) يوما، وتتغير وجهة نظرهم، وسوف يعترفون بأنهم لم يتوفقوا في فهم الاردن وتقدير ظروفه، وحاولوا التضحية به حين تعرضوا لضغوطات وأزمات وتهديدات.
هذا البلد آمنٌ، وأمين، ما دام في عين الرعاية والقيادة الهاشمية، ومادام مواطنوه يقدمونه فوق مصالحهم وأزماتهم وتعبهم ومعاناتهم، وهذه هي القصة الفريدة التي تحدث في الأردن منذ تأسيس دولته قبل 100 عام.
المهم بالنسبة لنا جميعا هي الرسائل والدروس، والتوجهات التي يجب أن تشغلنا على صعيد حماية البلد ومصالحها وحل بعض ازماتها، وهذا ما يجب ان نتمنى له النجاح فهو الفرصة التي توفرها (الفتن) والاختبارات الصعبة، وكنا ننجح باقتناصها دوما، ويجب أن ننجح هذه المرة أيضا.