لا شك أننا نحتفل بمئوية الدولة الأردنية ونحن نخضع لأقسى امتحانات الوضع السياسي العربي والأزمة المركبة والمتعاظمة جراء الأزمة العالمية والمحلية لوباء كورونا الذي حول العالم كله الى بيئة موبوءة تداعت نتيجتها أعمدة الإقتصاد وتعاظمت المديونية وجفت الموارد ولف المجتمع الخوف بناء على تزايد حالات الوفيات، ومع ذلك مازال الأردنيون يستجمعون قواهم للخروج من هذا المأزق الذي يحتاج للجميع والى إدارة حصيفة وبُعد نظر ثاقب يستقرئ عواقب المستقبل الذي بات مشوشا، وما فتئ الشعب صابرا مؤتلفا على حب هذا الوطن ومتطلعا الى عهد متجدد بقيادته، عنوانه الحفاظ على وطنهم الذي يفتدونه بأرواحهم.
وفي ظل تعاظم القُطرية في عالمنا العربي ومثله بعض الدول العالمية، يجد الأردن أنه لا يزال يسير في حقل من الحرائق تنشب هنا وهناك، ورغم أننا نسمع كثيرا مصطلح التحديات فإننا لا ندرك كثيرا هذه التحديات التي يتداخل فيها الشأن الداخلي بالشأن الخارجي، حتى استشكلت علينا الأولويات التي يجب علينا التعامل معها سياسيا واقتصاديا، ورغم أننا ندرك أن السلم الأهلي هو الركيزة الأساس للإنطلاق نحو التفكير بالتحديات الأخرى فإن هناك ما يجب أن نحدده من مصالحنا كي نفهم أين نضع أقدامنا في السنة الجديدة بعد المئة.
أول خطوة نحتاجها هي التفكير بهدوء لاستجماع عناصر التكيف الجديد مع واقعنا سريع التغيّر، وعلينا أن نجلس على طاولة الحساب لنرى أين أصبنا وأين أخطأنا، وكيف نعظم ما أصبنا وكيف نتلافى ما أخطأنا فيه، وهذا يحتاج منا جرأة كبيرة للوقوف على مذبح الإعتراف، فسلوك الطريق الخطأ يستوجب التوقف والإستدارة نحو البحث عن الطريق الصحيح، وإذا أردنا لأجيالنا الاستمرار في حمل مسؤوليتهم الوطنية، فعلينا أن نتحملها قبلهم ونساعدهم فهم ما جرى وما يجري وما قد يأتي مستقبلا.
الأردن عندما نهض فتياً وجد رجالات أرادنة تنازلوا عن ذاتهم لغاية الذات الجمّعية وإيلاء الدولة الفتية كل حماية ورعاية، فبعدما كانت الزعامات تحكم مناطقها عقب سقوط الحكم العثماني، آثرت أن تكون عونا للحكم الجديد ليكون راعيا وقائدا حكيما لبناء الدولة، وقد خاض الأردنيون كل أزمات وحروب الدولة الأردنية دفاعا عن الرسالة العظيمة التي يؤمنون بها، وتخلوا عن ذاتهم لصالح ذات الدولة، وبفضل عزيمتهم استطاعت القيادة أن تسير واثقة الخطى ومجابهة أعتى التحديات والخروج من أخطر الأزمات، وها هو الأردن ما زال باقيا شامخا قويا رغم ?ل المؤامرات التاريخية ووصفه بالأصغر والأضعف، فانهارت دول أكبر وبقي هو علامة فارقة.
إن أحوج ما نكون له اليوم هو النصيحة الصادقة، والعون على الإئتلاف لا الخلاف، وتعظيم مصلحة الدولة ومصلحة الشعب على أي مصلحة ذاتية، وهنا يجب أن نفهم النصيحة التي يجب سماعها ومفادها: أن المشكلة ليست بأن يزداد أعداؤك ألفاً بل المشكلة أن تفقد صديقا واحدا من حلفائك، والصديق المخلص هو من يسرّ لك بخطئك لتتداركه، وأما المنافق فهو عدوك المستتر، فلنبحث عن أًصدقائنا الحقيقيين الذين لا تتغير مواقفهم كلما تغيرت أهواؤهم، ولنحددهم ومن هم؟.
في هذا اليوم العظيم علينا أن نبدأ حساب الذات جميعا وأن نصدق مع أنفسنا ونؤثر على أنفسنا، فإن المسؤولية تقع علينا جميعا، وما نقرره كدولة وكشعب سيكون تأثيره على مستقبلنا جميعا ومستقبل أطفالنا، فكما صنع لنا الأجداد وضع حماية رغم أن الإعلام لم يذكر أكثرهم، فإننا ملزمون بصنع مستقبل لهم ليذكروننا بالخير، وليبقى الأردن بشعبه وقيادة جلالة الملك قويا متلاحما يطاول بعنقه السحاب..