كتبت قبل أمس الأول عن التعديل الوزاري، واعتبرته واعدا فيما يخص وزارتي الزراعة والدولة لشؤون الإعلام، وعن الثانية أقول مجددا لكن «همسا» لوزيرها المهندس الناجح (ليست الحقيقة فقط هي المطلوبة منكم كحكومة، بل أيضا توظيفها لتعزيز خطاب الدولة وإرسائه في مكانه الطبيعي، والحيلولة دون استخدامه وتوظيفه من قبل المتنمرين على الدولة، والذين مع كل أسف أصبحوا اليوم يخرجون من جسد الدولة نفسها).
أما عن الزراعة ووزيرها العائد إليها بعد سنوات، لمسنا معه في وزارته الأولى طرحا جديدا وتغييرا مؤثرا كبيرا، وكنا وما زلنا نقول لو استمر هذا الوزير مع تلك الحكومة، لأصبحنا اليوم نتحدث عن قطاع زراعي مؤهل ومختلف وقوي.
خطاب التنمر والتباكي على انهيار الزراعة، أصبح جارفا حسب وجهة نظر بعض المستفيدين منه، سيما وأن كثيرا من الإعلاميين يطوفون حوله بحثا عن مزيد من الإثارة، أو لتعزيز وجلب مشاهدات أكبر للفضائيات التي يعملون بها، وهذا تطور طبيعي في المشهد، بعد أن تم استنزاف التغييرات التي أحدثها الحنيفات في وزارته الأولى التي استمرت عامين أو أقل، وتم إيقاف مسعاه نهاية عام 2018، ليعود اليوم وقد انهمرت المشاكل وأصبحت «جبالا» في وجهه، لكن الرجل سيقيّم الوضع أولا، ثم سيقدم ما يستطيع لتجاوزها، على ذات النسق الذي بدأ به أول مرة، ولا أتحدث عنه باعتباره «فلتة زمانه»، بل لأنه وباختصار شديد، شخص موضوعي، يفكر بأسلوب علمي، ويلتقط الحل الديناميكي المهم بشكل سريع، ويخلص العمل حين يقتنع بصواب الهدف وأهميته، ولا أقول بأنه لم يخطىء في المرة الأولى.
خطاب الدولة كله يتعرض للعبث، ويتم «توظيف إنجازاته وصبر مواطنه ومؤسساته ضده !»، وهي ملاحظتي لوزير الدولة الصادق دودين، ويتجلى بوضوح التوظيف المعكوس لهذا الخطاب في القطاع الزراعي، الذي تشعر حين تسمع قضاياه، بأن وزارة الزراعة تسعى لتدميره لا تعميره، وذلك حين تختفي الحقائق أو يتم طرحها بخجل وضعف وارتباك ودون توظيف إيجابي ينمي بل يغير التفكير والنظرة النمطية لهذا القطاع الأهم، وأنا شخصيا أفهم أسباب هذا الضعف، وهي واحدة من المشاكل المهمة التي يجب على الوزير العائد أن يحلها، علما أن الإنجازات هي التي تفصح عن نفسها عادة، وهي التي تحتاج لمن ينقلها للناس، وليس للمزايدة عليهم، بل لتقديم أمل لهم وصورة إيجابية حقيقية، ما زالت تحدث في البلد، حين تجد الصادقين والمخلصين والأذكياء المتفانين، الذين لديهم مؤهلات المسؤولية والقيادة في أدغال التشكيك وانعدام الثقة، فوق المصائب والكوارث الطبيعية والجوائح الصحية و»الأخلاقية».
ثمة حقائق تتعلق بالقطاع الزراعي، طرح بعضها قبل عدة أيام وزير الزراعة الأسبق د عاكف الزعبي، وكان يرتكز على معلومات رسمية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، لعل أهمها هو المتعلق بعدد الحيازات الصغيرة التي تقل عن 10 دونمات، لتبلغ 100 متر أو صفر متر، والتي تشكل النسبة الأكبر من أراضينا الصالحة للزراعة، لكن الغريب العجيب، أن أغلب المتحدثين والشاكين والباكين والمتنمرين على وزارة الزراعة، هم من غير المزارعين، والذين لا تبلغ ملكياتهم أو زراعاتهم مساحة دونم وغالبا صفر متر، هؤلاء لست ضد آرائهم ما دامت علمية ومنطقية، ولا أحد يعارض أن تفرد لهم مساحات من هواء البث عبر الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية الاخبارية، فلكل أردني وجهة نظر نحترمها، لكننا نتحفظ على المنطق الأعوج، وعلى تقمص شخصية المزارع بل المستثمر الزراعي أيضا، واستناد «فلتات زمانهم بالإعلام» إلى مثل هذه الأقاويل والروايات، لتغدو مجرد تنمر على الوزارة، أو وضع للعصا في دواليب الحركة على أقل تقدير..
لن نستبق الأحداث، لكننا كلنا أمل أن ينجح وزير الزراعة ثانية، وأن يتوفق بأن يعيد القطار إلى السكة، قبل أن يبتعد عنها أو «يتدهور» فعلا. فقولوا يا رب.