كثيرة؛ الأخبار التي يتم النبش عنها من قبل بعض المختصين في الإعلام،أو أشباههم، أو المتسلقين لمهنتهم، وتجري صياغتها على شكل يتوافق مع ما (يطلبه الجمهور)، أعني الجمهور الغاضب الذي يبحث عن الغث، ويترك السمين، بل يشيح بنظره عنه.
النوع الأخطر من هذه الأخبار، هو الذي تقدمه بعض المؤسسات طوعا، وتريد من خلاله تنفيذ توجه ما، وجدت صعوبة وظروفا مانعة لتنفيذه، فعملت بمقولة (عكّ المية تجيك صافية)، وأمس قرأت خبرا من هذا النوع، يصدر مع كل أسف عن ديوان الخدمة المدنية، الذي حاز على جانب من النقد وقت حادثة السلط، والحديث الذي صاحبها والمتعلق بالواسطة والمحسوبية، و(تزريق) غير المختصين في وظائف تحتاج كفاءات وفنيين ومهنيين.
يورد ديوان الخدمة المدنية في الخبر، وعلى ذمة ناشره، أن في مؤسسات ووزارات الدولة الأردنية 207 من المستشارين، منهم 36 في وزارة التعليم العالي، و20 في مؤسسة الضمان الاجتماعي، و11 في وزارة الزراعة، و7 في البيئة، ولم يقدم تفاصيل حول هذه الأرقام، وديوان الخدمة ومن خلال هذا الخبر، يريد أن يهوّل موضوع المستشارين، ولا أعلم ما هي مصلحة الحكومة من وراء هذا، لا سيما وأن رقم 207 من المستشارين، عدد قليل جدا على دولة مؤسسات، علما أنهم ليسوا كلهم مستشارين بالمعنى القانوني والاداري المعروف ولتوضيح هذه المعلومة، أتناول العدد المتعلق بوزارة الزراعة مثلا، مع التأكيد هنا على معلومة مهمة، حيث قامت الوزارة أثناء حكومة الملقي، وفي منتصف عام 2017 بإزالة هذا المسمى عن 11 موظفا (لاحظوا بأنني استخدمت هنا كلمة موظف)، وأبقى فقط 2 من المستشارين الذين يعملون بعقود شاملة (لاحظوا أنني استخدمت كلمة مستشار)، وكان ذلك بقرار حاسم من وزير الزراعة آنذاك، وهو وزيرها الحالي المهندس خالد الحنيفات.
لماذا استخدمت كلمة موظف، ثم كلمة مستشار في توضيحي عن وزارة الزراعة؟ هنا تكمن (الهمبكة) في صياغة خبر الديوان، واستخدام كلمة مستشار دون توضيح ضروري، والتوضيح المطلوب :
في وزارة الزراعة 11 مستشارا، حسب خبر ديوان الخدمة المدنية، هو يعني 11 موظفا يعملون بمسمى مستشار، بينما منهم 9 من الموظفين العاديين من كوادر الوزارة، الذين تم منحهم (لقب) مستشار، دون منحهم أية امتيازات مالية أو غيرها، فهم موظفون ترفعوا في وظائفهم بشكل طبيعي، وتحتاج (غالبا) الوزارة لخدماتهم، لكنهم ليسوا في مواقعهم الادارية المعروفة ولم يبلغوا سن التقاعد، وهذه قصة تتطلب توضيحا بل قل تلميحا، يبين أن تسميتهم جاءت اعتبارية وحلا لمشاكل واجهت بعض الوزراء ..الخ، بينما يوجد في وزارة الزراعة مستشارين (2 فقط)، بوظيفة ومسمى مستشار، ويعملون بعقد شامل، وهما المستشاران الوحيدان في الوزارة.
ما لا يمكنني ان أفهمه، وإن فهمته سوف أحتار بطريقة الكتابة عنه، هو المغالطة التي تكتنفها مثل هذه الأخبار الرسمية، والتي يكون أثرها بالغ السوء على الدولة ومؤسساتها، ويقع منها موقع الإشاعة بل ويتم بناء إشاعات حول خبر غير واضح ولا معنى له، وسبب الحيرة أن الخبر يصدر عن مؤسسة حكومية، ولا نعلم ما هي الغاية منه، في وقت أصبح القطاع العام فيه يعاني من نقص الكفاءات، التي تم إخراجها من المؤسسات بدعاوى الترشيق والترشيد وتخفيض النفقات، بينما يعتلي المواقع والتي تتطلب كفاءات، يعتليها ويقودها (غالبا) موظفون متواضعو القدرة والكفاءة..
يعني.. لو صدرت هذه الأخبار عن شخص في الخارج او حتى معارض يطارد الإثارة والتشويش في الداخل، ويشكك في كل شيء ويحاول نزع ما تبقى من ثقة أو أمل بالدولة لدى الناس، لتم إتهامه بأنه يتولى تنفيذ أجندة خارجية، علما أن تفريغ القطاع العام من كفاءاته، هو محور رئيسي في كل الأجندات المعادية للدول.