طبيعي جدا أن يقل الانتاج والتصنيع حول العالم خلال هذه الظروف، وهذه من أسوأ النتائج التي تؤثر على البشرية، ومن هنا جاءت اهتماماتنا بموضوع الأمن الغذائي، فالظروف كلها تؤكد بأننا نسير الى ذلك المربع، وهو قلة الانتاج وصعوبة التنقل، وارتفاع الأسعار، علما أن مثل هذا الاهتمام بالغذاء وانتاجه محليا وتصنيعه، او استيراده وإعادة تصنيعه ثم تصديره، يجب أن يكون خيار استراتيجي ثابت في دولتنا بقطاعيها العام والخاص، لكننا وأمام هذه الاستحقاقات الجاثمة دوما على صدورنا، لم نجد لا وقتا ولا أذنا تصغي لمثل هذه الفكرة، إلا حين ضربتنا الجائحة «الخبيثة»، وشاهدنا كيف تقوم دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية بعملية قرصنة، وتستولي على باخرة تنقل كمامات طبية.. الخ المواقف الدولية التي اتخذت معها الدول تدابير، لتأمين شعوبها بالغذاء والدواء ومستلزمات انتاجهما.
قطاع الزراعة في الأردن نما وأخذ مكانه المتواضع بناء على الموارد الزراعية الوطنية المتاحة، وأعني بها الماء والأرض الصالحة للزراعة، ويمكن اعتبار «الثقافة الزراعية» والأسواق اللازمة لتسويق المنتجات المحلية..أيضا يمكن اعتبارها كالموارد الطبيعية، فهي لها جانب كبير من نجاحنا أو على الأقل تحقيق نسبة ما من ديمومة واكتفاء ذاتي..
أزمات شح الغذاء وصعوبة نقله بدأت تظهر جلية بعد عام على انطلاق كورونا، وقد توقع الاقتصاديون مثل هذه النتائج، وأن العالم سيشهد كسادا، وسوف يقل الانتاج وترتفع الأسعار، ولعل أكثر الدول التي ستعاني من مثل هذه التطورات هي الدول التي لا تنتج غذائها بنفسها، والتي ترسو في ذهنية مستهلكيها ثقافة استهلاكية سيئة، وتزداد المشكلة حين نستمر بالتعاطي مع تعليمات وقوانين نعتبرها «تابو»، يتمتع بقداسة ولا يمكن إجراء تغيير عليه، أو تسريع إجراءاته، رغم كل هذه التحديات ورغم معرفتنا بأن العالم يسير تجاه ظروف صعبة، سيدفع ثمنها الفقراء وبلدانهم، والحقيقة اليوم أننا وكما نتعامل مع مشكل الصحة والتعليم ونواجه تحدياتهما، نعاني من مشكلة أهم وهي تأمين الغذاء.
الموسم المطري هذا العام ضعيف، مقارنة بالعام السابق والذي قبله، وسينعكس هذا على الانتاج الزراعي بلا أدنى شك، وهو القطاع الذي بفضل الله «أطعمنا من جوع وآمننا من خوف» في العام الماضي، حين أغلقنا الحدود وأوقفنا النقل، وهو ما زال حتى اليوم يقوم بهذا الدور، ومن الواضح أن الحكومة لديها بعض الوقت لتفكر بهذه المشكلة، ألا وهي تأمين الغذاء للناس بأسعار ممكنة، وقد تابعنا بعض الأخبار والتصريحات الرسمية وغيرها، حول ارتفاع أسعار الزيت والمواد الأساسية، وكلها نستوردها من الخارج بالطبع، علما أن السوق وقوانينها في الخارج والداخل وفي أي مكان، تطارد المصالح وتحقيق الأرباح، ولا تكترث إلا بمزيد من ربح وتنافس، ولا مكان فيها لأخلاق من نوع «رحمة أو دعم الفقراء»، وهنا يأتي دور الحكومات الوطنية في الدنيا، وما زلنا نتداول هذا المصطلح رغم أن «اختفاء الحكومات الوطنية» كان وما زال هدفا لثقافة السوق وقوانينها، لكننا وبحمد الله ورغم ظروفنا الاقتصادية المعروفة فإننا في هذه الدولة ما زلنا نتعاطى مع مثل هذه الحكومات، فرأس الدولة وحكوماتها ومؤسساتها، ما زالت تدافع عن المواطن، وتحميه من «توحّش السوق»، وذلك رغم انخراط الدولة في اتفاقيات تحرير التجارة العالمية..
وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات، وبكل ثقة يفتح باب الاستيراد لكل المنتجات الزراعية التي لا تنافس منتجا زراعيا محليا، ومن بينها اللحوم «رمضان كريم»، حيث يكفينا أن الأسعار ترتفع في دول الانتاج الكبير، ويجب علينا في هذه الحالة أن نحافظ على عناصر الاستقرار في هذه المعادلة وهي المنتج والمستهلك والمستثمر والتاجر..
فلنذهب بشكل مباشر للأهداف التي تحقق استقرارا أكثر في هذه المعادلة، دون تعقيدات أو بيروقراطية أو انتظار حدوث الأزمات لنقوم بفزعاتنا البائسة المعروفة.