تحليل الشروط الفنية لعطاء حكومي يخص تنظيف الحمامات العامة يكشف عن خلل واضح في منهجية التقييم الفني، تُثير أكثر من علامة استفهام حول الهدف من صياغة هذه الشروط، التي يبدو أنها كُتبت لتناسب شركات كبيرة بعينها، رغم بساطة وطبيعة الخدمة المطلوبة.
أولًا: تقييم فني خارج السياق
من غير المعقول أن يُشترط في عطاء بسيط كهذا مشاريع سابقة بقيمة مئات الآلاف من الدنانير، أو سنوات خبرة طويلة تفوق أحيانًا عمر بعض الشركات التي أثبتت كفاءتها الميدانية. المنطق المهني يقول إن تقييم الأداء يجب أن يستند إلى النتائج الفعلية وجودة الخدمة، لا على عمر الشركة أو حجم مشاريعها السابقة.
ثانيًا: مؤشرات إقصائية واضحة
تم ربط العلامة الفنية الأعلى بعوامل لا تعكس بالضرورة جودة الخدمة، مثل:
•عمر الشركة: وهو شرط يخدم شركات بعينها دون وجه حق.
•تجاهل شهادات الشكر والأداء الجيد لشركات جديدة نفذت ذات الخدمة بنجاح.
•تضخيم قيمة المشاريع السابقة المطلوبة في التقييم، رغم أن الخدمة بسيطة ولا تحتاج كل هذه الإمكانيات.
هذه المعايير تحرم السوق من التنوع، وتقصي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقدم خدمات ممتازة بتكلفة معقولة، وتفتح الباب أمام احتكار السوق من قبل قلة.
ثالثًا: أثر مالي سلبي مباشر
عندما تُقصى الشركات الأقل تكلفة والتي تقدم خدمة فعالة، فإن الجهات المعنية تضطر إلى التعاقد مع شركات كبرى بتكاليف أعلى دون مبرر فني. النتيجة؟ هدر واضح للمال العام، وتراجع في جودة الخدمة بفعل غياب التنافس الحقيقي.
رابعًا: شبهة فساد لا يمكن تجاهلها
ما يحدث يحمل مؤشرات واضحة لشبهة فساد، ومنها:
•تفصيل الشروط لتخدم شركة بعينها.
•تقييد المنافسة بعناصر لا علاقة لها بطبيعة العمل.
•إهدار المال العام لصالح جهات محددة.
إن الواجب المهني والوطني يقتضي إعادة النظر فورًا في الشروط الفنية للعطاءات، بما يحقق العدالة بين جميع الشركات المتنافسة، ويضمن إدارة سليمة للمال العام، ويحمي السوق من الفساد والاحتكار. كما ندعو الجهات الرقابية المختصة إلى التدخل العاجل في حال استمرار هذه الممارسات التي تُضعف الثقة في نزاهة وشفافية العمل الحكومي.
في زمن يُفترض أن يُدار فيه المال العام بكفاءة وشفافية، لا يجوز أن تُفصل شروط عطاء بسيط كتنظيف حمامات عامة لتُناسب جهة دون غيرها. هل يُعقل