ما فعلناه على مدى الأيام الماضية للتعامل مع فاجعة «مستشفى السلط» جاء تحت ثلاثة عناوين: الأول امتصاص «الصدمة « الأولى لغضب الناس من خلال خطاب حكومي مثقل بالتعبير عن الغضب الممزوج بالحزن والخجل، الثاني اصدار مقررات وإجراءات قانونية وسياسية وإدارية تضمنت اقالة وزير الصحة وتحويل بعض المسؤولين الى منصات العدالة، اما العنوان الثالث فهو تقديم بعض الحلول العاجلة في سياق تطمين الناس على سلامتهم وتصحيح مسارات العمل في قطاع الطبابة.
حين ندقق في هذه العناوين الثلاثة وبما حفلت به من تفاصيل، نكتشف اننا ما نزال في دائرة «محاولة» امتصاص غضب الناس، نجد- ايضاً - ان بعض ما فعلناه تراوح بين الاستعجال والارتباك، نجد - ثالثاً - ان ردود فعل الشارع سبقت كل ذلك بخطوتين، حيث شهدنا على مدى يومين احتجاجات كسرت حواجز الصمت والحظر ايضاً، نجد – رابعاً- ان مجلس النواب «كرّس» الصورة النمطية التي ولّدت «الخيبة» لدى المواطنين تجاه أداء «المجالس» مع كل أزمة نواجهها منذ سنوات طويلة.
بالتأكيد، لم يفاجئنا ما حدث في مستشفى السلط، فنحن جميعاً نعرف ما يعانيه القطاع الصحي، ونعرف ما كشفته «كورونا» من أخطاء وترهلات، ومن نقص في موارده البشرية وامكانياته المادية وادائه العام، لكن ما فاجأنا هو اننا منذ اكثر من عام على افتراض اعلان حالة الطوارئ العامة في الإطار «الصحي» على الأقل استدركنا الآن وأعلنا حالة الطوارئ، ما فاجأنا -ثانياً- هو اننا لم نجد حلاً لشكاوى المواطنين من تراجع «الخدمات» الطبية الا بتعيين «متصرف» من وزارة الداخلية للقيام بهذه المهمة، ما فاجأنا – ثالثاً - هو الإعلان عن تأسيس مصنع لإنتاج «الأكسجين» في غضون ثلاث أسابيع واسناد هذه المهمة لقواتنا المسلحة الباسلة...وكأن المشكلة في عدم توفر «الاكسجين» وليست في «اهمال» المسؤولين عن المستشفيات في تزويدها به ومتابعة توفره في خزاناتها.
اخطأنا -هنا- مرتين: مرّة في تشخيص «الأزمة» واداراتها، ومرّة أخرى في تقديم ما يلزم من تصورات وخطط لمواجهتها، قلت: اخطأنا في تشخيصها لأننا اختزلناها في «اطارها» الصحي المتعلق بالنقص الذي تعاني منه المستشفيات، والصحيح انها ازمة إدارية تتعلق بقطاعنا العام كله، ولها جذور سياسية تتعلق بأداء الحكومات وثقة الناس بها، ثم اننا حين بادرنا الى مواجهتها اخطأنا ايضاً، فقد قدمت الحكومة اعتذارها وتحملها للمسؤولية الأخلاقية تحت عنوان «سياسي» وهذا يفترض بالضرورة ان يدفعها لمواصلة الحديث في اطار «العمل» بمقررات سياسية...وهذه المقررات لا يوجد لها الا عنوان واحد هو : مباشرة الإصلاح السياسي...وتفكيك الأزمات التي تحاصرنا بمنطق سياسي...والرد على احتجاجات الناس ومطالبهم بخطاب سياسي قابل للترجمة عملياً على الأرض ايضاً.
قبل يومين من كارثة «السلط» قلت لرئيس الوزراء في لقاء ضم عدداً من الكتاب الصحفيين: اننا سندفع فواتير «كورونا» هذا العام على شكل «انفجارات» اجتماعية متعددة الاشكال، وبدل ان تواجهنا الأزمات المتدحرجة بشكل مفاجئ يفترض ان نستبقها بحلول تقنع الناس وتطمئنهم، ولا حلول الاّ من بوابة «السياسة» المفتوحة على كل المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، أجابني الرئيس بأن الحكومة ستبدأ الأسبوع القادم بهذا المسار..، ثم وقع «المحظور» في المستشفى وتدحرجت الردود وما زلت، الان أتمنى ان يبدأ الرئيس ومعه الحكومة في هذا المسار...ليس فقط استجابة لنداء أرواح أبنائنا الذين دفعوا ثمن «نقص الأكسجين» وانما – ايضاً- استجابة لصرخات الاردنيين الأحياء الذين تحاصرهم «اختناقات» المرض والفقر والاحساس بالقهر والخوف من القادم أيضاً.