في خطوة غير مسبوقة نفذت إسرائيل مساء الثلاثاء (9 ايلول 2025) ضربة جوية على مقر سكني في العاصمة القطرية الدوحة، اذ كان يستضيف وفد حركة حماس المفاوض ورغم فشل محاولة الاغتيال المباشرة، إلا أن القصف أسفر عن استشهاد عدد من كوادر الحركة وعنصر من قوة الأمن الداخلي القطري (لخويا) الأمر الذي فتح الباب أمام موجة إدانات واسعة وأسئلة عميقة حول مستقبل الوساطة القطرية وجهود وقف إطلاق النار في غزة,حيث جاء القصف في لحظة سياسية بالغة الحساسية؛ إذ كان وفد حماس يناقش مقترحاً أمريكياً قدّمه الرئيس دونالد ترمب لوقف إطلاق النار ،وهنا لا يمكن فصل التوقيت عن الرسالة: فالاستهداف بدا وكأنه إعلان صريح بأن حكومة نتنياهو لا ترغب في أي تسوية، بل تسعى لإجهاض المساعي الدولية قبل أن ترى النور.
وبالنظر إلى طبيعة الضربة ومكانها، يرى مراقبون أن إسرائيل لم تكتفِ بضرب الوفد الفلسطيني، بل بعثت برسائل متعددة الاتجاهات:
•إلى المفاوضات: محاولة نسفها من جذورها عبر قتل من يحملون أوراقها.
•إلى قطر: إحراجها كوسيط وإظهار حدود قدرتها على لعب دور محايد.
•إلى الولايات المتحدة: إبلاغها عملياً أن الضغوط السياسية لن تغيّر حسابات إسرائيل الأمنية.
وبهذا، تحوّل القصف من مجرد عملية عسكرية إلى معركة رسائل سياسية متشابكة.
الأخطر في المشهد أن الاستهداف وسّع الصراع جغرافيا ليشمل عاصمة خليجية مستقلة وذات سيادة وبذلك، انتقلت المواجهة من كونها نزاعاً فلسطينياً – إسرائيلياً إلى قضية تمس أمن المنطقة بأسرها, وهنا يبرز السؤال: إن كانت الدوحة غير مستثناة، فأي عاصمة عربية أخرى قد تكون على القائمة؟
ردود الفعل جاءت متسارعة؛ فوزارة الخارجية القطرية وصفت الضربة بأنها "عدوان غادر وانتهاك صارخ للسيادة”، بينما انضمت دول عربية عدة – بينها الأردن السعودية، مصر – إلى دائرة الإدانة، أما الأمم المتحدة فأكدت أن ما جرى يشكل "سابقة خطيرة” تمس استقرار المنطقة، في المقابل أثار تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "الحادث المؤسف قد يكون فرصة للسلام” حالة استهجان اعتبرها محللون محاولة لتخفيف الضغط عن إسرائيل.
ورغم الطابع الدموي للهجوم إلا أن نتائجه السياسية جاءت عكسية على إسرائيل فقد منحت الضربة حماس زخماً غير متوقع، فالحركة التي كانت تواجه مأزقاً في التعامل مع مقترح ترامب أصبحت اليوم ضحية عدوان مباشر، كما أن استهداف قادتها في الخارج قوّض السردية الإسرائيلية التي وصفتهم بأنهم "يعيشون في فنادق الدوحة” وأعاد ربطهم بمصير الشعب الفلسطيني تحت القصف.
و من الواضح أن إسرائيل لم تنجح في اغتيال الوفد، لكنها نجحت في فتح جبهة جديدة بالمنطقة واضعة الدوحة – ومن خلفها الخليج – على خط النار وهكذا، تحوّل الهجوم من مجرد عملية عسكرية إلى نقطة انعطاف إقليمية قد تغيّر شكل الصراع وتعيد رسم قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.