لقد أصبح من المألوف على طرقاتنا أن نرى مركبات حكومية تجوب الشوارع بسرعة جنونية، متجاوزةً الحدود القانونية بلا أدنى مراعاة لأبسط قواعد المرور، وكأن السائقين فوق القانون. هذا التجاوز الصارخ لا يُعرض حياة السائقين الآخرين ومستخدمي الطريق للخطر فحسب، بل يكبد الدولة أيضًا أعباءً مالية فادحة كان يمكن تفاديها، لو التزم موظفو القطاع العام بقواعد السير واحترموا القوانين التي وُضعت لصون أمن وسلامة الجميع.
لا يقتصر الأمر على خرق قوانين السرعة وقواعد المرور، بل يمتد ليشمل تعريض المركبات الحكومية للتلف بالقيادة المتهورة والرعناء. هذه القيادة العشوائية تؤدي إلى استهلاك المركبات بشكل أكبر مما يستدعي صيانة متكررة، ما يضاعف الكلف التشغيلية ويزيد من الاستنزاف للموارد التي تدفعها الدولة من أموال دافعي الضرائب. كلّ كيلومتر يُقطع بسرعات عالية، وكلّ تلف يتسبب فيه هذا التهور، يُترجم إلى أموال طائلة تهدر في ميزانية الدولة على صيانة المركبات الحكومية بدل توجيهها إلى مشاريع تنموية واستثمارات تهم المواطنين.
والأدهى من ذلك، فإن الإفراط في استخدام المحروقات الناجم عن هذه السلوكيات الطائشة يضع ضغطًا إضافيًا على موازنة الدولة، ويزيد الطلب على المحروقات بلا طائل. ففي الوقت الذي تحاول فيه الدولة ضبط النفقات وتشجيع الترشيد في استهلاك الطاقة، نجد هذه المركبات تستهلك كميات ضخمة من الوقود بلا حساب، مع غياب شبه تام للرقابة والمساءلة.
لقد حان الوقت لأن تتخذ الحكومة إجراءات صارمة، وأن تضبط هذا الاستهتار الذي يمارسه بعض سائقي المركبات الحكومية. إن الحل لا يقتصر على توجيه الإنذارات أو التحذيرات، بل يتطلب متابعة دورية ورصدًا دقيقًا لهذه السلوكيات، ومعاقبة المخالفين بما يتناسب مع حجم الاستهتار الذي يمارسونه بحق المال العام والسلامة العامة.
فالسيارة الحكومية ليست ملكًا خاصًا يُستخدم بتهور وإسراف، بل هي ملك للدولة وللشعب، ويجب أن يتم استخدامها بكفاءة واحترام للمصلحة العامة. إن إيقاف هذا النزيف المالي والأخلاقي يبدأ بوضع حدود صارمة، وتشديد الرقابة، وتفعيل نظام المساءلة. وإلا فإن هذا التغول سيستمر، وستواصل المركبات الحكومية استهلاك موارد الدولة بشكل متهور على حساب الوطن والمواطنين.