أجرى الدكتور خليل الزيود المستشار الأسري التربوي، حوارًا شيقًّا مع القامة الأدبية العلمية الأستاذ الدكتور وليد سيف -الأديب والكاتب والشاعر فلسطيني الأصل- صاحب المؤلفات الشعرية والأدبية والدرامية، تبادلا فيه أطراف الحديث المتنوِّع حول القضية الفلسطينية والتجربة الدرامية ومِلفّات أخرى.
نترككم مع نصِّ المقابلة.
خليل الزيود: صلاح الدّين بلا حطّين، بين سطرين على ورقة بيضاءَ أتأرجح، أتنازل عن شرودي وتوهّج فكرتي مقابل سطوعك شاهدًا، لا يلبث أن يحسم الحقيقة بين فوّهة بركان القلم واستسلام الأوراق، في انهيارٍ مثيرٍ للحبّ والتاريخ، كأنَّ الريح تحتي.
ومشهود كأنّها بوّاباتٌ للجحيم، وحصاد الضجيج في فوضى الأحداث، لا نُصدّق كلّ ما يقال لكنّنا نشهد بما نرى، ومن هنا نختال بين ضلوعنا دقّات المشهد كاملًا. قف قاتل اقرأ، معركتك لم تبدأ بعد، إنّها الحقيقة.
سيخلق لكم صاحب الشِّعر المنثور وصاحب النثر المشعور كوكبًا جديدًا خارج المجرّات، ذائبًا في الدوران العكسيّ للساعة، مُتحلِّقًا حول قول أبي الطيّب:
أريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلِّغَني
ما ليسَ يبلُغُهُ مِنْ نفسِهِ الزَّمَنُ
مُتأرجِحًا طروبًا جَذِلًا ونحن ننادي معه:
إذا نحنُ سميّناكَ خِلْنا سيوفَنا
منَ التيهِ في أغمادِها تتبسَّمُ
الشجاعة أن تفضِّل مغارم العقل على مغانم الجهل، فهل عمِلَ بما قال ضيفُنا؟
سار القلم مُتَّئِدًا بلغةٍ شيّقةٍ أنيقةٍ مُرهَفَة طيِّعة بين حنايا قلمه، في خمسمِئَةِ صفحة تقرؤك ولا تقرؤها تأخذ منك أكثر ممّا تأخذ منها.
الوليد ابن سيف، الأب لريحانتيه ليلى وليانة والخالد وقبلة قلبه إيمان، يثني على ناصر الدين الأسد بفقرات متواترة، والأسد يُوَقِّعُ كتاب فصله من الجامعة الأردنية التي ابتعثته على حسابها، ويذكُرُ لأحمد عبيدات مواقف مشرّفةً، وكيف طلب عبيدات منه أن يكون أحد أركان حزبه السياسيّ بعد سنوات من فصله من الجامعة بأمر من عبيدات ذاته، في زمن يصدُقُ فيه قولُ أحمد بن الحسين:
أَذُمُّ إلى هذا الزَّمانِ أُهَيْلَهُ!
عندما طُويت الصفحة الاخيرة من سيرته المختصرة جدًّا، كتبتُ على الصفحة الاخيرة منه هذا الكتاب، هو الشرح لقول بدويّ الجبل:
المجدُ مِلْكُ العبقريّةِ وحدَها
لا مِلكَ جبّارٍ ولا سفّاحِ
ننطلق برفقتكم بين يدي شيخ الدراما، الذي رأى المدهشَ في المألوف، وحوّلَ المألوف إلى مدهش. أستاذنا الكبير الدكتور وليد سيف، الله يعطيك العافية.
وليد سيف: الله يعافيك ويخليك.
خليل الزيود: الله يسعدك. أخبرتنا سيدي أنّ نقد السلطة تخرج منه بالنياشين، ولكنّ نقد الأيدلوجيات تتوزّع دماؤُك، فلا تدري على أيّها تميل، فهل وُزِّعَت دماء الضيف على القبائل السياسية والفكرية؟ أم خرج بالنياشين؟ منها توزير الابن، قال لنا ضيفنا لا يكافئ مغانم الشهرة إلا مغارمها، فهل ظفر بالمغانم؟ أم المغارم؟ أم خرج منها كفافًا لا له ولا عليه؟
وليد سيف: أتمنّى أن أخرج منها كفافًا لا لي ولا عليّ، ولكن يعني لا شكّ أنّ مغارم العقل قائمة وموجودة وتُعاندنا ونعاندها! ولكن في نهاية المطاف ربّما كانت المغانم في هذا الموقف الذي يختار مغارم العقل على مغانم الجهل، هذا هو الشعور بالاكتفاء والرضا عن الذات في نهاية الأمر، فقد يتحوّل المغرم إلى مغنم على نحو ما، بينما ما يُظَنُّ أنه مغانم ممكن أن ينقلب على الإنسان ليكون مغرمًا على ضميره وعلى مبادئه وعلى نفسه.
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف: عندما يخون الإنسان مبادءه وعندما يُوَظِّفها في غير منازلها، ربّما عادت عليه بالفوائد مؤقّتًا، ولكن يكون قد خسر روحه وهذا هو الخسران العظيم.
خليل الزيود : تلجئه الضرورة؟
وليد سيف : أحيانا تلجئه الضرورة.
خليل الزيود: إلّا من اضطُّر غير باغ ولا عاد.
وليد سيف: ولا عاد، لكن في قضية المبادئ لا أظنّ أنّ هذه القاعدة الفقهية أو هذا الحكم الفقهي ينطبق على الإنسان. فليس هناك إطلاقًا ما يُبرِّر أن يتنازل الإنسان عن روحه مهما كان حجم الضرورة.
خليل الزيود: طيّب أستاذنا الكبير والكريم، لدينا في هذه اللقاءات عدّة عناوين نريد نحن وأنت أن نتفيّأ ظلالها. نبدأ بالتجربة الفلسطينية.
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود : دائمًا نسمع عن فكرة الهُويّات، ونسمع الهُويّة الأردنية، الهُويّة الفلسطينيّة، وعندما يتحدّث الإنسان عن هُويّته تبدأ السهام ويقول لك: أنتم جماعة سايكس بيكو! وإذا احتفى الآخر بهُويّته يقال لك: "ما إحنا مظلومين ومضطهدين ومحتلّين، طيّب كيف بدنا نفكّ أشكال الهُويّات في البداية؟ ونحافظ على وحدتنا كأمّة، وكيف تعامل مع ذلك أستاذنا وليد سيف بين الهُوية الفلسطينيّة والهُوية الأردنية؟ الهُويّة الإسلامية والهُوية العربية؟ كيف تتداخل وتتقاطع أو تتعارض أو تتعاضد؟
وليد سيف: أخي الكريم، يجب أن نُقِرّ ابتداءً بأنّ الإنسان ليس هُوية واحدة، الإنسان عامّةً في أيّ مكان وفي أيّ مجتمع إنّما هو جملة أو مجموعة من الهُويّات، التي لا ينبغي أن يعارض بعضها بعضًا أو يطرد بعضها بعضًا. ونحن في في حياتنا اليومية نتنقلُ في اليوم الواحد ما بين هُوية وهُوية أخرى حسب الموقف الذي نجد أنفسنا فيه؛ فأنْ تكونَ فِلسطينيًّا لا يمنع إطلاقًا أنْ تكونَ أردنيًّا، وأنْ تكون فِلسطينيًّا وأردنيًّا لا يمنع أن تكون عربيًّا، وأنْ تكون مُسلِمًا وأن تكون إنسانًا في نهاية الأمر. هذه يعني جزء من حقيقتك الوجوديّة من شرطك الوجودي، أمّا أنْ تصطنع صراعًا بين هذه الهُويّات فهذه مشكلة كبيرة جدًّا تنتهي بإيش؟ بأنْ يختزل الإنسان نفسه ويختزل رؤيته ويختزل مشاعره ووجدانه وانتماءه بصورة عامّة. فيجب أن نتحرّر من مشكلة أنّهُ عليك أنْ تختار إما هذه الهُوية أو تلك.
بالنسبة للقضية الفلسطينية؛ القضية لا ينبغي أنْ يدّعِيَ الفِلسطينيّ أنّها تخصُّه هو وحده دون غيره، فلا أزعم أنّ لي في فلسطين أكثر من غيري من العرب ومن الأردنيين على وجه الخصوص؛ بسبب العلاقة التاريخية الاجتماعية الخاصّة ما بين الفلسطينيين أو بين الأردنيين من أصل فلسطيني والأردنيين من أصل أردني إلى آخره، مهما كانت هذه التسميات، فلا يزعم أحدنا أن له في فلسطين أكثر من الآخر؛ لأنَّ فلسطين قضية وليست مجرّد انتماء جغرافي، إنما هي انتماء مبدئي، انتماء إلى قضية. وفي الوقت الذي بدأنا به حقيقةً نُقَزِّمُ القضية على حجم الحدود القطرية، بدأت القضية الفلسطينية تخسر في المقام الأوّل؛ لأنَّ القضية الفلسطينية ينبغي أن تكون القضية المركزية للعرب والمسلمين.
خليل الزيود : كلّ واحد عنده قضيته، -يعني ما ينفع دكتور تعميم عولمة القضية الفلسطينية-؟
وليد سيف: هي ليست عولمة، أي قضية إنسانية يجب أن تكون معولمة، بمعنى أن نستدعي لها كلّ القوى الإنسانية التي تنحاز للحقّ وللحقيقة في نهاية الأمر. هذا لا يلغي دورك الابتدائي أنت ابن القضية وصاحب القضية، لا يلغي إطلاقًا أن تكون في المقدمة والطليعة لمواجهة استحقاقات هذه القضية. ثمّ إن القضايا الكبرى لا تلغي القضايا الأخرى. نحن لا نقول إنّ الانشغال بالقضية الفلسطينية يجب أنْ يعطّل الانشغال في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأخرى في أيّ قطر من الأقطار العربية، يجب أن نناضل على كلّ هذه الجبهات، يجب أن تكون لنا مواقف مبدئية على كلّ هذه الجبهات، وهذه الجبهات ليست خيارات متفاضلة، إنما هي خيارات متداخلة بالضرورة. وقد كرّرتُ أكثر من مرّة أن القضية الفلسطينية أو نجاح المشروع الصهيوني في اغتصاب فلسطين عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين، ثم إلحاق بقيّة فلسطين به عام ألف وتسعمئة وسبعة وستّين، إضافة إلى أراضٍ عربيّةٍ أخرى، هذا المشروع ما كان لينجح إلا بسبب أنّ القوّة التي عَطَّلت أو كَفّت أيدي الفلسطينيين وضيّقت عليهم المواجهة هي نفس القوى التي كبّلت الأيدي العربية.
خليل الزيود: "مش فيه قابلية عند الفلسطينيين لكي تكبّل أيديهم”؟
وليد سيف: لا نحن يجب أن نُفَرِّق ما بين الأنظمة الرسميّة وبين الشعوب العربيّة، لا، الشعوبُ العربيّةُ كانت مستعدّةً أن تضحّي من أجل فلسطين، وهناك شواهد كثيرة جدًّا في ثورة الثلاثينيّات، جاء الكثير من العرب، وجاهدوا مع الفلسطينيين، وفي عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين أيضًا، جاهد الكثيرون، وحتّى داخل الجيوش العربية كان هناك من يرفض بعض الأوامر العُليا التي تُكبِّل يديه، ويتخّذ قراره بنفسه من أجل القضية الفلسطينية. يجب ألّا نجلد ذاتنا زيادة عن اللزوم، هناك من يستحقّون منا أناشيد المراثي من العرب الذين استشهدوا في فلسطين وفي داخل فلسطين، ومن الجيش الأردني ومن الأردنيين بصورة خاصّة، يجب ألّا نهمل هذا، ولكنّ العالَم العربيَّ كلّهُ كان تحت وطأة الاستعمار وما يزال حتى الآن تحت وطأة القرار الاجنبي بصورة خاصّة، ولكن دعنا نتحدّث عن تلك الفترة.
خليل الزيود: نعم.
وليد سيف: تحت وطأة الاستعمار نفس الاستعمار الذي دعم الصهيونية إنْ لم يكن هو الذي اختلقها أصلًا، كان المطلوب من هذا المشروع ليس فقط اغتصاب الأرض الفلسطينية، وإنما أنْ تكون له وظيفة نيابةً عن القوى الاستعماريّة الخارجيّة في تعطيل عملية النهوض في العالم العربي، وبالتالي الاستجابة كما قُلتُ أكثرَ من مرّة يجب أن تكون من نوع المشكلة، وهذا يعني أنَّ الاستجابة لهذا المشروع ومواجهته التاريخية تقتضي الربط ما بين عملية التحرير أو مطلب التحرير ومطلب التغيير على مستوى الوطن.
خليل الزيود: جيّد، طيّب دكتور في فرق بين فلسطينيّي الداخل والخارج، هل تجد أنّ فلسطينيّي الداخل الذين حافظوا على البقاء وعضّوا على الأيدي هنالك، ألا تجد أن لديهم من النضال والكفاية ما هو أفضل من فلسطينيّي الخارج؟ "بتنفع هذه المقابلة هذا السؤال منطقي؟”
وليد سيف : لا أحبّ كثيرًا مثل هذه المقابلات؛ لأنّني أخشى من بعض التداعيات الموجودة أو التأويلات التي يمكن أن تبتعد عن الواقع الحقيقي. في الحقيقة إنّ الانتماء للقضية الفلسطينية ليس محكومًا بمكانك من الجغرافيا، ولكن طبعًا نحن نشدُّ على أيدي الناس الذين ثبتوا في ديارهم والذين انزرعوا فيها، لا شكّ ولا ريب. ولكن هناك أناس وجدوا أنفسهم لظروف تاريخية معينة في الخارج، هذا لا يطعن في انتمائهم للقضية الفلسطينية إطلاقًا؛ الانتماء لا يُحدَّد بمحدّد واحد، ولا يصنعه محدّد واحد. إنّما هل هناك اختلاف في المزاج أحيانًا الثقافيّ أو السياسيّ ما بين مجموعة ومجموعة أخرى من شعب مُعيّن، تعيش كلُّ منها في ظروف مختلفة؟ نعم هذا يحدث، ولكن يوجد بينها في آخر المطاف وحدة القضية الواحدة المشتركة والانتماء المشترك. فالذي يُميِّز بين الناس ليس الجغرافيا، لأنّه ليس من المواقف المبدئية المواقف السياسية، تجد مواقف سيئة هنا وتجد مواقف سيئة هناك وتجد مواقف عظيمة هنا وتجد مواقف عظيمة هناك، فإذا فرَّقنا ما بين الفلسطينيين حسب مواقعهم الجغرافية، فمِنْ بابِ أولى أنْ نُفرِّقَ ما بين الفلسطينيين وما بين سائر الأمّة العربية وسائر الأمة الإسلاميّة، وهذا ليس في صالح القضية الفلسطينية، وليس يُمَثِّلُ حقيقةً تاريخية.
خليل الزيود: دكتور موضوع حقّ العودة، ألا تجد ألا ترى ألا تعتقد ألا تظنّ أن فكرة حقّ العودة أصبحت فقط شعارًا يُتغنّى به فقط في المحافل الدولية، يعني لم يعد هنالك حقّ عودة "اللي جالس وساكن ومبسوط ومشتري ومدرّس أولاده ويسافر ومستقرّة أموره” هل هذا يتفّق مع فكرة حقّ العودة الذي ينظر له؟ ألا تجد أنّ هذه الفكرة فكرة جميلة ولطيفة وشاعرية أكثر منها فكرة واقعية؟
وليد سيف: يا أخي هذا من الموضوعات التي تنطوي على إشكالية مُعيّنة قديمة؛ حيثُ يُخَيَّرُ الفلسطينيُّ بين تحسين أوضاعه الشخصية، أو القضية الوطنية أو الالتزام بالقضية الوطنية، الحقيقة هذا تخيير غير عادل إطلاقًا! يُمكِنُ أن تعمل من أجل تحسين أوضاعك المعيشية أوضاعك العلمية في أي مكان في العالم، دون أن تتخلّى عن ارتباطك بالقضية الفلسطينية واستعدادك للتضحية من أجلها! لو أردنا أن نحكِّم مثل هذه المعايير بصورة مطلقة، أيضًا نقول إنَّ الانسان المنشغل بلقمة عيشه الإنسان الكادح الإنسان المسحوق المنشغل بلقمة عيشه أيضًا، ستشغله لقمة العيش على فقره وقلّة حاله عن قضيّته، أين يذهب؟! الذي يُحسِّن أوضاعه حسّنَ أوضاعه على حساب انتمائه للقضية؟! الذي يكدح من أجل لقمة العيش أيضًا يكدح على حساب القضية؟! هذا غير صحيح إطلاقًا. ما هكذا توزن الأمور في مثل هذه القضية إطلاقًا، فطُرِحَت حتى في الأدب أحيانًا، حتى الفلسطيني وجد نفسه في أكثر من ظرف مُعيّن ظرف تاريخي معيّن، يتساءل هذا التساؤل عن نفسه إذا أراد المجتمع الدولي أو المجتمع الإقليمي أنْ يُحسّن أوضاعه في المنافي، قد يشكّ في هذه الأطراف التي تريد أن تحسّن وضعه، إنّها تفعل ذلك من أجل توطينه، ليكون ذلك بديلًا عن وطنه وعودته إلى وطنه! هو نفسه يشكّ في هذا، وإذا لم يقدّموا له هذه المساعدة يشكّ ويتّهمهم بالتقصير في حقّه من أجل حياة إنسانية تليق بإنسانيّته! الحقيقة يجب أنْ نتجاوز هذا كلّه؛ إنَّ الذي أمسك لُحمة الأسرة الفلسطينية على الرّغم من تشتّتها أحيانًا في العالَم، هو التضامن الاجتماعي وتحسين واحد من الأسرة وضعه من خلال العلم والعمل في مكان ما، ليُحسِّن وضع الأسرة جميعها، وهذا يربط الأسرة بعضها ببعض، هذا لا يفرّق هو في الواقع يجمع في النهاية.
خليل الزيود : دكتور هل بقي مقاومة، هل بقي شيء اسمه مقاومة؟ المقاومة في كلّ سنة وأخرى وفي كلّ عشر سنوات وأخرى نجد مفهومها ينحصر ويتقزّم ويتجزّأ، يصبح بسيطًا وينتقل إلى أشكال وأطوار أخرى، لم يعد الأمر ذا قيمة!
وليد سيف: مع الأسف الشديد نعم هذا شهِدناه في حياتِنا، يعني أين خطاب المقاومة وفعاليّات المقاومة قديمًا وأين نحن الآن من ذلك كلّه؟ بعد الاتفاقيات السياسية وبعد أوسلو وغير ذلك، هناك تراجع وانحدار في هذا الأمر، في كلّ الوطن العربي ليس فقط في الساحة الفلسطينية وفي الحيّز الفلسطيني الوطني، هناك تراجع كبير جدًّا، ولكن مهما اجتهد المجتهدون في تقديم المعاذير لمثل هذا الانهيار لمثل هذا التراجع لمثل هذا الانحسار، من كان مثلي ليس في موضع رسمي (فهمت عليّ؟) يستطيع على الأقلّ أنْ يحافظ على الرواية يحافظ على السردية الفلسطينية، يحافظ على المبدأ. المبدأ مبدأ أن فلسطين وكامل التراب الفلسطيني هو الوطن الفلسطيني، وحتى لو فُرِضت ظروف معيّنة قاهرة، أن تكون الدولة الفلسطينية أصغر من الوطن الفلسطيني، فإن الدولة لا تعرف، الوطن هو الوطن الفلسطيني. أنا أستطيع كفرد لو تواطأ العالم كله على التنازل عن الحقّ الفلسطيني في كامل التراب الفلسطيني، أن أبقى كالذئب في رؤوس الجبال.
خليل الزيود: ما الفائدة؟ إذا كانت القيمة الحقيقية سِلِبت، يعني أوسعتَهُم شتمًا ولاذوا بالإبِلِ؟
وليد سيف: تُسلب مؤقّتًا ولكن إذا حافظنا على الرواية الفلسطينية وعلى السردية الفلسطينية وحاربنا من أجلها ودافعنا عنها، هذه الظروف القائمة ليست مؤبّدة؛ التاريخ يتغيّر وعلى الأقّل في حياتي الشخصية أنقذ روحي، لأنني لا أستطيع أن أعرِفَ نفسي خارج هذا المبدأ، سأفقد نفسي إذا عرفت نفسي خارج هذا المبدأ! وأنا بوصفي كاتبًا ولست موظّفًا في مؤسسة سياسية أو مسؤولًا في مؤسسة سياسية أملك هذا الحقّ، وأملك هذه القدرة، وأملك هذه الحرية، وأملك هذا الاستقلال.
خليل الزيود: متصالح مع هذا الحقّ؟
وليد سيف: نعم متصالح تمامًا.
خليل الزيود: مفيد؟
وليد سيف: يعني صحيح الآن هناك تناقضات، وهناك من يدافع عن الحلّ السياسي بدعاوى مختلفة وحجج مختلفة إلى آخره، وفي نفس الوقت يتحدّث عن حقّ العودة، فلا أعرف كيف ينسجم هذا مع ذاك، لكن أنا هذه المشكلة لا توجد عندي، أنا أؤمن بحقّ العودة الآن وإلى أنْ يرثَ اللهُ الأرض وما عليها.
خليل الزيود : هذه الرواية رومانسية!
وليد سيف: ليس هنالك رواية رومانسية إطلاقًا، نحن في الوقت الذي نبدأ نتحدّث عن هذا باعتباره رواية رومانسية لا علاقة لها بالواقع، فعندئذٍ يجب أن نطرحها، ولكن لا ليست..
خليل الزيود : ما قيمة هذه الرواية أمام الدبّابة؟
وليد سيف: إنها ستسهم أوّل شيءٍ في حفظ الذاكرة، وحفظ الذاكرة حراسة الذاكرة؛ لانّهُ في الحالة الفلسطينية حراسة الذاكرة هي حراسة لاستمرار الهُوية عبر الحاضر واستمرار الحلم الفلسطيني إلى المستقبل.
خليل الزيود: هل هذا يقاوم الدبّابة والتخطيط الإستراتيجي الصهيوني؟
وليد سيف: لا لا يقاومه ولكنّه يبقى حقيقة قائمة يُمكن أن تُترجم أو يجب أن تُترجَم في يوم من الأيّام إلى واقع قائم، أما أنْ نُسقِطَ الذاكرة فهذا استسلام مسبق وتسهيل على العدوّ!
خليل الزيود: يعني لم يبقَ من الثوابت الفلسطينية إلا الذاكرة؟
وليد سيف: اقتلاع الذاكرة، هجّروا الناس من أوطانهم واغتصبوا الأوطان وأرادوا أو راهنوا على اغتصاب الذاكرة وعلى تهجير الوطن من الذاكرة، ولم يفلحوا في ذلك وهذا انتصار.
خليل الزيود : لم يُفلِحوا؟
وليد سيف: لم يُفلِحوا؛ الذاكرة الفلسطينيّة الآن معبّئة بتاريخ القضية الفلسطينية أكثر ممّا كانت قبل ثلاثين أو أربعين سنة.
خليل الزيود: ما الدليل؟
وليد سيف: الدليل الناس الذين نراهم ونعيش معهم، الدليل هذه الأجيال الجديدة من الشباب أو حتى من الصبيان الذين رفعوا رموز الوطن، إلى مستوى يعني لا أريد أن أقول القداسة يُتاخِمُ القداسة على نحو ما.
خليل الزيود: نتحدّث عن تجربتك أنت خلال هذه السنوات الطويلة التي عشتها واسأل الله أن يطيل في عمرك وبقائك أستاذنا، يبقى السؤال الحاضر: فلسطين والقضية الفلسطينية من سيء إلى اسوأ، بدأت قضية وانتهت مشكلة، والأصل في المشاكل أن تنتقل إلى مستوى القضايا، ولكن لو اطَّلَعنا على تجربتك أنت الفريدة الوحيدة، كنتَ تذه إلى المخيّمات تذهب إلى المعسكرات أنت ومن كانوا من أقرانك، لكن هذا الأمر لم يعد موجودًا، وأصبح الموضوع حبرًا على ورق، أو أصبح قصصًا تُقالُ في المجالس الضيّقة، أصبحت لقمة العيش تركض وراءها الناس.
وليد سيف: رجعنا لقضية لقمة العيش لاحظ!
خليل الزيود : دقيقة بس أستاذنا، أنا آسف هذه قضية، القضية الثانية: كثير من الناس الآن يذهبون من الدول العربية لكي يعملوا عند الكيان الصهيوني بحثًا عن لقمة العيش، أليس هذا تهويد من نوع آخر؟ وحرب على الذاكرة؟ وقابليّة لكي تصبح الذاكرة مُهوّدة؟
وليد سيف: هناك محاولات مستمرّة لاستلاب الذاكرة، وبدأت بالقول هناك انحدار وهناك انحسار، القضية الفلسطينية كانت قضية الجماهير العربية كلّها، وكانت القضية المركزية لا شكّ ولا ريب، والآن كلّنا نشاهد عملية الردّة القائمة في في كلّ العالم العربي عند قطاعات مُعيّنة، لأنّه لا يجوز أن نعمِّم على الإطلاق. انا بدأت بالاعتراف بهذه الحقيقة ولكن هل هذا يعني أنّ القضية انتهت، وأنّها لم تعد سوى قصيدة نكتبها أو كلمة نقولها أو حكاية نرويها في المدارس؟! لا هذا غير صحيح إطلاقًا.
القضية الفلسطينية حاضرة وستبقى حاضرة في ضمير الأمّة ما بقيت هذه الأمة بهُويتها؛ المشاكل التي تحدَّثْتَ عنها والتراجع الذي تحدَّثْتَ عنه لا ينطبق فقط على القضية الفلسطينية بل على كلّ القضايا العربية العامّة، أين مشروع الوحدة العربية؟ أين مشروع النهضة العربية؟ أين مشروع العدالة الاجتماعية؟ تلك المشاريع التي كانت تُهيمِنُ على الخطاب السياسي الشعبي أو والنخبويّ في خمسينيّات وستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، أين هي؟! تراجعت بشكل كبير.
خليل الزيود: "أنا بدي أسألك سؤال صريح من الأخير، بعض الدعاوى أو بعض الأصوات تقول لك أين المشكلة؟ فليعيشوا مع بعضهم على بقعة واحدة؟ لماذا أنتم فكرتوا إنكم تريقوا هالدماء؟ خلص الناس تعيش مع بعض هضلاك إلهم أرضهم يعيشوا فيها وهضول أرضهم يعيشوا عليها، وتمشي الأمور”.
وليد سيف: "ما هي مش إلهم” هي المشكلة الوحيدة أنّها ليست أرضهم، ماذا نفعل باللاجئين؟ ماذا نفعل بالناس الذين شُرِّدوا من ديارهم؟ نقول لهم انتهى الأمر. هؤلاء في أماكنهم والموجودون في الضفة الغربية في غزة في أماكنهم، وأنتم أين تذهبون إلى الجحيم؟! في اللحظة التي تتمسّك فيها أنت بحقّ العودة أنت تمسّكت بكامل الوطن، وهم يعلمون ذلك. ولذلك أنا من الناس الذين يقولون بالدولة الواحدة إن كان لا بدّ من حلّ، وأعلم أنّه مستحيل!
أنت تُوَجِّهُ السؤال إلى الضحية الآن، لماذا لا تعيشون معًا؟ وجِّه السؤال إلى الجلّاد، فهو أولى به؛ لأنّه هو الذي يرفض حتى الحدّ الأدنى الذي ينطوي على تنازلات مخزية، هو الذي يرفض حتى هذا الحل، يعني يريد الوطن كله! فهل نساوي بين الذي يطالب بالحقّ كلّه وبين الذي يرفض الحقّ كلّه، أو يُعادي الحقّ كلّه؟!
خليل الزيود: لا يستويان مثلًا.
وليد سيف: لا يستويان مثلًا، في شيء اسمه مبادئ نعيش بها ونموت عليها.
خليل الزيود: حتى وإن لم نعشها أو لم نطبّقها؟!
وليد سيف: مش لم نطبّقها، لم ننجح في تحقيقها في مدة تاريخية مُعيّنة، هذا يحدث.
خليل الزيود: هذه صيرورة الأمم؟
وليد سيف: نعم لا أريد الآن أن آتِيَ بأمثلةٍ قد يُساءَ فهمُها، كثيرٌ مِنَ الأمم كانت على حال ومرّت عليها ليس عقود أحيانا قرون، وتغيّر حالها مع الزمن. لا يمكن أن يستمرّ هذا الوضع إلى الأبد، يعني الأمثلة التاريخية قد يُطعَنُ فيها لأنه سيقال إنّ التجارب التاريخية لا يمكن تكرارها لاختلاف الظروف الموضوعية التي تحيط بواقع مُعيّن، ولكن في الأمثلة التاريخية ، أراض مِن بلادٍ مُعيّنة أُخِذت ثمّ استُرِدّت بعد وقت طويل من الزمن، طالما أنّ الحراك الفكري والمبدئي والسياسي مستمرٌّ، والحيويّةَ الحضاريّةَ ما تزال قائمةً أو هناك مَنْ يُحرِّكها ليُخرِجَها من ركودها، وهذه مهمّة المُثقّفين.
خليل الزيود: هل يقوم المثقفون بدورهم؟
وليد سيف: بعضهم لا كلّهم، لا أستطيع أن أُزيّف الحقائق، مع الأسف.. أحيانًا المثقّفون جزء من المشكلة بدلًا مِن أن يكونوا جُزءًا مِنَ الحَلّ!
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف: كيف؟ بأنَّهُم ينشغلون عن القضايا الأساسية بقضايا جانبيّة، وأحيانًا هم من يُروِّج للفكر الليبرالي الجديد الذي ينتهي بقَبول التطبيع.
خليل الزيود: حتى الفكر الليبرالي هو الفكر الذي يقوم على الحرية!
وليد سيف: ليس هذا فكرًا يقوم على الحرية هذا فكر يقوم على الحرية السلوكية فقط؛ لأنّ هؤلاء نجدهم في المُلِمّات ينحازون إلى الطغاة والمستبدّين، لما يتحدّثون عن الحرية لا يعنون الديموقراطية ولا فصل السلطات ولا استقلالية القضاء ولا الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ولا التناوب السلمي على السلطة، إنما الليبرالية عندهم تُختَزَلُ في السلوكيات الاجتماعية على طراز الحياة الغربية! أما على المستوى السياسي فلا أريد أن أعمّم تجد كثيرًا من هؤلاء ينحازون للنُّظُمِ المستبدّة ضدّ انتفاضات الشعوب، ضدّ أحلام الشعوب وطموحاتها في التحرّر وفي الديموقراطية وفي الحريات المدنية! فكلمة مثقّف ليست كلمة سحرية. أنْ تجمَعَ الناس أو فئة معينة في سلة واحدة وترسم لها صورة نمطية ذهنية واحدة، هذا أمر مضلّل ويلبس على الناس، مثقّف عن مثقّف يختلف.
خليل الزيود: ما دور المثقف الحقيقي؟
وليد سيف: دور المثقف الحقيقي أن يُسهِمَ في شحذ الوعي عند المجتمع بقضاياه الأساسية.
خليل الزيود: "بس بواقعية بدون رومانسية”.
وليد سيف: يعني بالتأكيد أنا كلمة الواقعية تخيفني لأنك ربطتها أكثر من مرّة!
خليل الزيود: لماذا؟
وليد سيف: لأنَّ الكثير من الناس يستخدمونها لتثبيط الناس وللترويج لخطاب الاستسلام واليأس!
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف : باسم الواقعية السياسية يجب أن نتقبّل وجود العدوّ! يجب أن نتقبّل الاحتلال! يجب أن نتقبّل واقع الاستبداد! الوطن العربي يجب أن يتقبّل واقع التفاوت في الحياة في النظام الاجتماعي ما بين الناس! إلى آخره. باسم الواقعية يُمكن أن تُمرِّرَ أو تُسوِّغَ المُرَّ الذي لا ينبغي أن يسوّغ، ما مفهوم الواقعية في النهاية؟ كثيرٌ من الناس يقولون لك: يجب أن نكون موضوعيّين! أنا كلمة موضوعية أيضًا بدأت أنفر منها وأخاف من بعض مُقتَضياتِها الدلالية؛ لأنّ الموضوعية يجب أن تكون موضوعيًّا أي يجب أن تكون مثلي، لأنّ وعيي أنا مطابق لحقائق العالَم الموضوعي، بينما أنت وعيك يذهب في اتجاهات رومانسية أو في وعي مزيف إلى آخره، بقدر ما تقترب من رأيي تقترب من الموضوعية والحقيقة، وبقدر ما تبتعد عني تبتعد عن الموضوعية! ولذلك لا أحبّ استعمال هذا المصطلح، استعمال كلمة النزاهة أي أنني أقارب بنزاهة أحاول جهدي فيها ألّا أظلم الناس ولا أبخس الناس أشياءهم، مسترشدًا بالنسبة لي بمرجعيتي الدينية، ولا تبخسوا الناس أشياءهم وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. ومطلوب منّا أن نُقدِّمَ شهادتنا بحقّ، ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه.
خليل الزيود: "طيب هذه المرجعية الدينية في التعامل مع القضية الفلسطينية رح تطلع المسيحي برا والعلماني برا، ببطل حدا يوقف معك”
وليد سيف: لا يا أخي، من جديد نضع أنفسنا أمام ثنائيات متفاضلة! إذا كانت لك مرجعية دينية معناها ليس لك لا مرجعية وطنية ولا مرجعية عروبية ولا مرجعية إسلامية ولا مرجعية إنسانية! رجعنا إلى صراع الهُويّات! لا يا أخي أنا في الوقت الذي استرشد به بهذه المعاني التي سيسترشد بها أي إنسان صاحب موقف مبدئي، حتى لو لم يكن مسلمًا؛ لأنّ دعوته إلى هذا ليست دعوة إلى عباداتك، ولا تكرهه فيها على شريعتك، إنّما هذه مبادئ إنسانية عامّة مقررّة في ديني، وهي دين كل إنسان شريف، كل إنسان له مواقف، يعني ما الذي يخصّ المسلم دون غير المسلم عندما نقول وزنوا بالقسطاس المستقيم؟ عندما نقول ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه؟ ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى؟ من سيقول لك لا لا نريد هذا لأنّ مصدره الإسلام؟!. هذه قِيَمٌ عُليا. نعم في النهاية لا لا ينبغي لمرجعيّة أن تكون طاردة لمرجعيّة أخرى تلتقي معك في القضايا الوطنية والإنسانية والاجتماعية العادلة.
خليل الزيود: "إذا سمحت لي، بدايات الدراما، بدايات الفكرة، كيف نبتت في مخيال حضرتكم”؟ الدراما العربية الحاجة إليها، إحنا فتحنا عيونا ونشأنا على الدراما المصرية أشكالها وأنواعها وألوانها”. "كيف استطاع الدكتور وليد سيف أن ينبت من هذا النوع ويحاول أن يشقّ طريقًا جديدًا؟”
وليد سيف: من حيث البدايات أنا في الحقيقة لم أسعَ إلى الدراما بنفسي، لم أسع إلى الكتابة لجهات إنتاجية مُعيّنة بنفسي، إنما جاءتني هذه الجهات الإنتاجية وطلبت مني ذلك، وكنت أحِبُّ واستشعر في داخلي هذا الميل للكتابة الدرامية. الحقيقة دراستي في إنجلترا للدكتوراة أفادتني في هذا كثيرًا. وأنت تعلم أن الدراما في بريطانيا لها عمق تاريخي كبير جدًّا من أيّام شكسبير وما بعد ذلك، وهي تنحو منحىً اجتماعيًّا يُوافِقُ هواي؛ يعني لا تنحو منحىً ترفيهيًّا خالِصًا، لا سيّما في الأعمال الجادّة سواءٌ التلفزيونية أو المسرحية أو غير ذلك، فهكذا بدأت الأمور، ووجدت أنني أُعَبِّرُ عن نفسي وعن طاقتي الأدبيّة فيها أكثر ، يعني وجدت نفسي أعبِّر فيها عمّا لا أستطيع أن أعبّر عنه في أشكالٍ أُخرى.
خليل الزيود: لماذا؟
وليد سيف: لأنَّ الدراما لأكثر من سبب كما هو معروف لها قيمة بصرية تقوم على التشخيص، وهي صناعة تتظافر فيها مواهب مختلفة من الكتابة إلى الإخراج إلى التصوير إلى غير ذلك إلى التمثيل؛ وهذا له جاذبية معيّنة قد لا يحظى بها الكتابُ المقروء. مع الأسف لا نقول ذلك ونحن سعداء كثيرًا بهذا، ولكن هذا هو الواقع القائم، كان في ذهني أو في همّي كيف أنقل الأدب إلى الدراما المشخّصة أو الدراما المصوّرة، لأنّه يعني كانت هناك حدود ما بين الأشكال الأدبية المقروءة وبين شكل الدراما البصري، فهذا لا ينتمي إلى الحق الذي تنتمي إليه الأجناس الأدبية الأخرى. ولكني حملت معي الأدب إلى الدراما المصوّرة، وأُحِبّ أن أُفَكِّر أو بأنني فعلًا قَدّمت أدبًا دراميًّا مُصَوَّرًا، الأدب فيه لم يكن عائقًا أمام القطاع الأوسع من الجمهور للتفاعل معه، ولعلّ هذا يكون إنجازًا.
خليل الزيود: مغامرة الفصحى أو الفصيحة على الشاشة، مغامرة مخيفة ومرعبة، من سيحمل هذه اللغة؟ من سيؤدّيها؟ من سيكون لديه طول نفس "علشان” يتعامل معها؟ كيف استطعت أن تخترق هذا الحاجز أو تتجاوز هذا الحاجز المخيف "من وين بدنا نجيب ممثل” يتحدّث الفصيحة والفصيحة المتقنة؟!
وليد سيف: لحسن الحظ، معظم مَن عمِلوا في أعمالي الدرامية المبكّرة أو المتأخّرة كانوا متقنين للنطق بالعربية ولفهم الجملة؛ فلم أجد يعني صعوبة كبيرة أو عائقًا كبيرًا في هذا الجانب. ومن ناحية كان هناك في الأعمال المتأخّرة أثناء التصوير مراقب لغوي؛ لأنني لا أستطيع أن أرافق التصوير طوال مدّته، فيكون هناك مراقب لغوي قد تفوته بعض الأشياء، والممثّلون أنفسهم قد تفوتهم بعض الأشياء، ولكنها تُغتَفَرُ إنْ لم تكن كثيرة، وهي لم تكن كثيرة لحسن الحظ، مثل هذه الاخطاء أثبت لي من وجهة نظر المتلقّي أنّ الجمهور العربي حتى لو لم يكن مُتقِنًا للعربية الفصيحة فإنّه قادرٌ على تذوِّقها.
خليل الزيود :ما السبب؟ "احنا نحب الكلام الحكي الشوارع هذا الكلام اللطيف الحلو العام للبلد”
وليد سيف: ولكنك تطرب للكلام الفصيح البليغ، هذه قد تكون خصّيصة ثقافية عربية؛ وأنا حلّلت هذا في أكثر من من موضع أو مقام. العرب قبل الإسلام لم يُطوِّروا فنونًا تشكيلية. الرسم أو صنع التماثيل إلى آخره، بسبب البيئة العربية الاجتماعية والمادية، فصرفوا طاقتهم الإبداعية في اللغة، وأنتجوا لنا هذا الأدب العظيم، هذا الشعر العظيم الجاهلي في وقته، وما يزال عظيمًا وما نزال نقرأه ونتذوّقه وندرسه ونعلّمه، ونكتشف فيه مستويات جديدة وطبقات جديدة من المعاني والقيم الجمالية، يعني ليس فقط لا ندرسه أو هو فقط دراسة تاريخية مرهون فقط بوقته دون أي قيمة باقية. الأدب العظيم يبقى ويتجاوز خصوصيّة الزمان والمكان؛ ليخاطِبَ قارئًا جديدًا في مكان جديد في ظروف جديدة في زمن جديد. لماذا؟ لأنّ محموله الدلالي واسع بخلاف الكتابات المنطقية التي تريد أن توصل معنى مُحدّدًا، بلغة مغلقة على ذلك المعنى بقدر الإمكان لكي لا يقع الالتباس. إنما في الأعمال الأدبية الأعمال ذات محمول دلالي واسع متجدّد بتجدّد القارئ وتجدّد وعيه وتجدّد ذائقته. فالعربيُّ منذ الأصل صرف طاقته الإبداعية في اللغة ثمّ جاء القرآن الكريم فأسّسَ أو عزّز هذا الحسّ اللغوي؛ لأنّهُ جاء بنصٍّ بلاغيٍّ مُعجِزٍ، ولم يُشجِّع الإسلام الفنون التشخيصية، لأسباب عقدية على الأقلّ في حينها، فظلَّ العربي مرتبطًا باللغة بصورة خاصّةٍ باعتبارها الوسيلة الأهمّ في التخاطب الجماليّ وفي الإنتاج الأدبيّ الجماليّ. كل هذا تأسّس في داخل إنسانِ العربيِّ وفي ثقافته، وبقي القرآن معه.
الآن ناس عوام أو شبه عوام يسمعون القرآن فيهتزّون له، ويتفاعلون معه وجدانيًّا وإنسانيًّا وعاطفيًّا على الرغم من أنّهم ليسوا بالضرورة قادرين على تفسير كلّ ما يسمعونه منه، ولكن يهتزّون لسماعه، ويهتزّون عاطفيًّا، ويهتزّون جماليًّا لبلاغته، فبقيت هذه معهم.
ولذلك عندما كتبت أعمالي باللغة البلاغية الكلاسيكية العالية التي توافق المرحلة التاريخية وتحاكيها، بالعكس تمامًا كان هذا أحد أكبر الأسباب لتفاعل الناس مع هذه الأعمال، أقولها بلغة اليقين أو بأسلوب اليقين المطمئن، لكثرة ما سمعت من ردود الفعل حول هذا الموضوع من الناس من طبقات ثقافية مختلفة، لأنّهُ لو كتبت بلغة معاصرة حملتها على ألسنة شخصيات تاريخية لفقدت قدرتها على المصداقية والإقناع، فكيف لشخص ينتمي إلى العصر الجاهلي أو العصر العباسي أن يتحدث بلغة الصحافة العربية المعاصرة؟! تفقد الشخصية مصداقيّتها ولا يصدّقها الناس ولا يتفاعلون معها هذا التفاعل المرجوّ أو المنشود، فانتهت هذه المراهنة التي أخدتها على نفسي بنتائج….
خليل الزيود: بدأت مع الخنساء؟
وليد سيف: نعم
خليل الزيود: لِمَ الخنساء؟ وهنالك أعظم منها قصّة وتجربة وعمقًا ودلالة وبنية؟
وليد سيف: لا يضع الكاتب أمامه قائمة من حيث الأولويات ثمّ يقول هذه الشخصية أعظم لأبدأ بها، هذه الشخصية أهم لأبدأ بها، إطلاقًا، هناك ظروف مُعيّنة تتواطأ على خيار معيّن.
خليل الزيود: ما الظروف التي تواطأت؟
وليد سيف: مثلًا أحيانًا قد يطلب منك الطرف المنتج عملًا عن الخنساء، فأنت تفكّر، لك الخيار أنت بوصفك كاتبًا أنْ تقول هذا يوافق رغبتي ورضاي فأكتبه، أو تقول لا أحبّ هذا الموضوع.
خليل الزيود: كيف كانت التجربة مع الخنساء لأنها الأولى؟
وليد سيف: هي شخصيّة نسوية، يعني هي امرأة، وهذا كان أحد أسباب جاذبية الشخصية إلى نفسي؛ لأنّه أستطيع أنْ أقولَ مِن خلالها كثيرًا عن المرأة وقوّة المرأة. والخنساء كانت تتمتّع بشخصية قويّة جدًّا جدًّا، وكانت حكمًا على نفسها، هي التي تختار وهي التي ترفض.
خليل الزيود :نعم
وليد سيف: هذه واحدة. الثانية أنّها شخصية شاعرة، عاشت قصّة تراجيدية، قصّة مأساوية في مقتل أخويها.
خليل الزيود :صحيح.
وليد سيف: وهذه مادّة غنية للمعالجة الدرامية. نعم، ثمّ تتوقّف عند أسئلة مُعيّنة، هذه أيضًا شخصية مخضرمة شهدت الجاهلية وشهدت الإسلام، ما الذي جعلها تعيش الدهر أبدًا باكية وراثية لأخويها؟ بينما عندما استشهد أبناؤها في القادسية لم ترثهم بمثل ما رثت أولئك؟!
خليل الزيود :بالضبط.
وليد سيف: هذه من الأسئلة التي طَرَحتُها على نفسي وعالجتها على نحو دراميّ باجتهادي الشخصيّ أو بتأويل.
خليل الزيود :قتل الإبداع فيها الإسلام؟
وليد سيف : لا لا أقول هذا..
خليل الزيود: كما فعل الإسلام مع حسان بن ثابت، تجد قصائد حسان بن منيرة مستنيرة مستضيئة عظيمة فخمة عالية راقية، وعندما جاء إلى الإسلام أصبح شعره بسيطًا.
وليد سيف: نعم عندما يُوظّف الشعر عامّةً هذي حقيقة تتعلّق بطبيعة الشعر في جوهر الشعر. جوهر الشعر لا يتقبّل أن يكون موعظة مباشرة، لا يتقبّل الخطاب المباشر، لا يتقبّل المباشرة على نحو ما، فهو يُعبِّرُ عن تجربة إنسانية ذاتية تجاوِزُ حتّى حدودها الخاصّة، لتخاطب الشرط الإنساني بصورة عامّة، فأي أدب سواء كان أدبًا إسلاميًّا أدبًا غير إسلاميّ، يُرَوِّجُ لأيدلوجيّةٍ مُعيّنة أو لعقيدة مُعيّنة على نحوٍ مباشر. طبعًا لا تبرأ أي قصيدة ولا يبرأ أيّ عمل أدبي من تحيُّز عقدي على نحو ما.
خليل الزيود :طبيعي.
وليد سيف: ولكن المهم كيف تقوله بطريقة لا تحدّه في إطار معيّن، ولا تغلقه على عامّة الناس. يجب أن تخرج فيه من الخاصّ إلى الإنسانيّ العامّ، أن تمسّ الشرط الإنساني؛ حيث إذا تُرجِمَ إلى لغات مختلفة يستقبله إنسان في مجتمع آخر ويخاطبه. ولذلك نقرأ شكسبير نقرأ الأدب الأجنبي برواياته وبشعره، ونتأثّر به، وشعرُنا أيضًا عندما يترجم إلى لغات أخرى يستقبله آخرون، كيف يستقبلونه؟ يستقبلونه لأنّهُ الشعر الأدب الممتاز، أنا أتحدّث عن الأدب الذي ينطوي على قيمة ابداعية حقيقية، لا بد أن يُخاطِبَ الشرط الإنساني.
خليل الزيود :الخنساء
وليد سيف : الخنساء؟ طبعًا هي هذا التحوّل الذي حدث في حياة العرب مع الإسلام، كيف انعكس في حياتها وفي منظورها وفي رؤيتها للعالم على نحو ما، الذي لخّصته بعبارة واحدة حين سُئِلَ أو سألها عمر عن شِعرها في صخر وقد رآها تطوف حول الكعبة بحداد الجاهلية، مِمّا يخالف تعاليم الإسلام، فقالت له بعد أن سألها: "ما الذي أبكى مآقي مقلتيك يا خناس؟” يعني دلَّعها، لم يقل لها يا خنساء يا خناس، انظروا الرقّة في هذا في هذا الخطاب وهو يراها تطوف بطريقة غير مقبولة، قالت له: "بكاء السادات من مضر”، قال -حسب الرواية طبعا- قال لها: "هؤلاء قوم قضوا في الجاهلية”، قالت: "كنتُ أبكيهم للثأر والآن أبكيهم للنار”.
خليل الزيود: الله.
وليد سيف: هذا هو التحوّل، هذا التحوّل يمثّل مادة للمعالجة الدرامية للإنسان المخضرم الذي يعيش بين عالَمَيْن، وكيف ينتقل من عالم إلى آخر بخلاف الصورة النمطية التي يحب أن يُرَوِّجَها بعضُ الوُعّاظ؛ لأنّه في لحظة واحدة في ليلة واحدة، ينقلب الإنسان من الثقافة الجاهلية إلى الثقافة الإسلامية ويستدبر ما كان.
خليل الزيود: هذا غير منطقي!
وليد سيف: هذا غير منطقي إطلاقًا؛ ولذلك كثر في كلام الصحابة مِمّا يروى عنهم: "يا فلان أنت امرؤٌ فيك جاهلية”، أي فيك بقايا من الثقافة الجاهلية أو القيم الجاهلية، فالتحوُّل التامّ لا يتمّ بين يوم وليلة، وهذا التحوّل يهزّ العالم السابق وعلاماته وشواهده التي كان يعيش الإنسان بها وعليها. فجأة تتغيّر صورة العالم لأنه عندما تتغيّر الرؤية يتغيّر المرئي، لمّا يتغيّر الوعي يتغيّر المشهد أمامه، وهذا يجعله في حالة خوف أحيانًا، وفي حالة ذعرٍ؛ لأنّ عالمه السابق يتهدّم! كيف يستطيع أن يتحرّر من هذا العالم السابق وينتمي إلى العالم الجديد دون أوجاع؟ لا يمكن هو مخاض ومعه أوجاع!
خليل الزيود: وهذا ما حصل مع الخنساء؟
وليد سيف: وهذا ما حصل مع الخنساء. كانت الخنساء هي البداية، ثمّ خرجت من ذلك إلى عروة بن الورد، على سبيل المثال، عروة بن الورد بالنسبة لي كان يمثّل روبن هود العرب، فروبن هود في الأسطورة الموروثة الإنجليزية أو البريطانية بصورة عامّة……
خليل الزيود: قبل عروة ابن الورد، كيف تقبّل الناس الخنساء؟
وليد سيف: تقبّلوها بقبول حسن عظيم، كانت اللغة جديدة عليهم.
خليل الزيود: بالضبط أنا هنا لأنها التجربة الأولى ولأنها الدهشة الأولى والمطر الأول. أستاذنا، كيف تقبّلَ الناس الخنساء؟ أصبح العمل جاهزًا والمعالجة الدرامية جاهزة، الآن نريد عرضَهُ، "أكيد فيه خوف فيه قلق، ولا كانت في شجاعة منقطعة النظير”؟
وليد سيف: والله أنا لم أكن قلقًا إطلاقًا على الإطلاق.
خليل الزيود: في أي سنة كان هذا الكلام؟
وليد سيف: هذا الكلام في ألف وتسعمئة ولعلّه تسعة وسبعين.
خليل الزيود: "طيب يعني حتى بداياتك كانت…”
وليد سيف: نعم نعم لم يكن عندي قلق إطلاقًا.
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف: لأني أعرف الحسّ العربيّ باللغة، كما قلت قبل قليل عدم إتقان العربية الفصحى أو عدم التواصل مع المراجع التراثية القديمة، لا يعني أن العربي إذا استقبل اللغة الفصحى البلاغية لا يستجيب لها، إذا وظّفتَ التوظيفَ الصحيح في الموقف الصحيح.
أوّلًا نحن نُوظِّفُ هنا ضمن الموقف الدرامي، وبالتالي تقترن بالموقف الدرامي، بسياق الموقف الدرامي الذي يتفاعل معه الجمهور. ربما لو كانت مكتوبة كتابة ويقرؤها قراءة، ربّما ضلَّ طريقَهُ بعضُ الناس الذين ليس عندهم خلفية لغوية.
خليل الزيود: أو جَلَد؟
وليد سيف: لكن ليرها الآن موظّفة في سياق الحياة، في سياق الموقف الدرامي، فهذا يساعده على الاستقبال وعلى التفاعل والانفعال بالعمل، هذه ناحية. الناحية الثانية، البلاغة ليست فقط في استخدام مفردات غير مفهومة، تنتمي للمعجم التاريخي ولا يستطيع المستقبل المعاصر أن يفهمها، إنما في السّبك في سبك العبارة، البلاغة في سبك العبارة وفي مضمون العبارة. البلاغة ليست مجرّد استعراض انشائي للجماليات اللفظية والجماليات اللغوية، إنّما الجمالية تتحقّق من خلال المعنى أيضًا، والعبارة تتشكّل وفقًا للمعنى المطلوب.
كنتُ أتجنّب أن أستخدم السبك البلاغي القديم، ولكني أتجنّب أي مفردة يمكن أن تعيق الفهم، مفردة تاريخية ساقطة من الاستعمال تعيق الفهم، إلّا أنْ يدُلَّ عليها السياق؛ لأنه من الممكن أن تسمع كلمةً، إذا أراد أن يشتم..
خليل الزيود: الورهاء؟
وليد سيف: بالضبط، يعني قال لها يا خرقاء يا ورهاء إلى آخره، يعني يكفي أن تعرف أنه يسبّ وأنه يشتم بلغة ذاك الزمان، هذا كافٍ لتحقيق وإنشاء الرغبة المعرفية عنده، يستطيع أن يرجع إلى المعاني ويكون قد حقّق هدفًا معرفيًّا.
خليل الزيود: أنت اعتمدت على السياق في قدرة الإنسان على الاشتباك مع المعرفة..
وليد سيف: نعم هذا صحيح.
خليل الزيود: وهذا الذي حصل في الخنساء؟
وليد سيف: هذا الذي حصل فيها وفي غيرها، بل الذي أسعدني كثيرًا أن هذه الأعمال دفعت الكثير من الناس إلى القراءة إلى العودة إلى المصادر للقراءة عن هذه الشخصيات، فهي لم تكن بديلًا عن المصدر، إنما كانت مُشجِّعًا ومُحفِّزًا.
خليل الزيود: ورديفًا؟
وليد سيف: صحيح بالضبط.
خليل الزيود: ما أسوأ ما حصل في الخنساء؟ لو استقبلت من أمرك ما استدبرت؟
وليد سيف: من الصعب أن أقول أسوأ، إنما لو أتيح للخنساء وللأعمال التي نُفِّذَت في ذلك الحين من الإمكانيّات الفنية والإنتاجية ما يُتاح الآن، لكانت شأنًا آخرَ بالتأكيد. كان هناك فقر في الإنتاج وفقر في المواهب الفنية مقارنة مع هذا. هذا تطوّر طبيعي. فأتمنّى فعلًا، لو أُتيح ما أتيح للأعمال المتأخّرة مِنَ الصناعة الفنية المُتطوّرة.
خليل الزيود: سأسألك عن تجسيد الصحابة في هذه المعركة الكبيرة، كان من الممكن أن تترتّب عليها مصائب؟
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود: ما الذي حدث مع دكتورنا الكبير الذي مرض عند إنتاج مسلسل عمر بن الخطاب؟
وليد سيف: أثناء كتابتي بالفعل شعرت بضغط شديد جدًّا من كثرة التفكير والتركيز.
خليل الزيود: خوفًا مِن تقبُّلِ الناس؟
وليد سيف: على الإطلاق.
خليل الزيود: خوفًا من الفقهاء والمُفتين؟
وليد سيف: قد يستغرب البعض إذا قلت هذا الكلام، لم يخامرني الخوف لحظة واحدة من أي طرف من الأطراف، لا أُقدِمُ على عمل أحبّه وأريده وأنا خائف من ورائي، على الإطلاق، فليكن ما يكون لأني أقف على أرضية صلبة؛ أعلم أن تشخيص الصحابة علمَ اليقينِ صحيحٌ، هناك إشكاليات وهناك اعتراضات على ذلك من بعض الجهات المُعيّنة، ولكن ليس هناك أدلة شرعية قطعية تمنع ذلك.
خليل الزيود: هل اشتبكت مع أحد في النقاش حتى تطمئن؟ أم كان الأمر شخصيًّا بالقراءة الذاتية والاطمئنان الذاتي؟
وليد سيف: لا قراءة ذاتية، لكن كان هناك جملة من العلماء الذين يريدون أن يتحرُّوا، يعني ليس لهم علاقة بالمعالجة الدرامية، مع أنَّ اللقاءات التي دارت بيننا كانت تحملهم من الجانب الديني والفقهي إلى الجانب الدرامي.
خليل الزيود :صحيح
وليد سيف: وأنا أيضًا أتوفّر على خلفية فقهية، يعني أعلم ما الذي أُقدِمُ عليه من هذا الجانب. قد يتداخل أحيانًا يتداخل أو يلتبس الدرامي مع التاريخي، يخافون من موقف درامي مُعيّن بأن يُفهَم على نحو مخالف.
خليل الزيود: "مثل ماذا آسف اعذرني أنا يعني شوي بحاول أتعلم”
وليد سيف: لا بأس، مثلًا عندما عالجت شخصية سجاح -وهي شخصية عجيبة عندما تقرأ عنها من المصادر التاريخية شخصية عجيبة- ما لهذه المرأة؟ من أين جاءت بهذه القدرة وبهذه القُوّة؟ قوة الشخصية التي تجعلها قادرة على أن تتصدّر وتقود جيشًا بأكمله يأتي من الجزيرة الفراتية؟ من التغالبة ومن تميم، وهي من تميم، ولكنّها كانت تعيش بين أخوالها من تغلب. ثم تقودهم إلى جزيرة العرب ثم يلحق بها شطر من تميم على رأسه مالك بن نويرة، وهو سيّد قومه وهو سيّد فيتبعها تابعًا لها! ثمّ تحاصر مرتدًّا اخر وهو مسيلمة. مسيلمة الكذاب تحاصره ويضطر إلى أن ينزل لها على نصف غلّة وادي بني حنيفة! أن ينزل لها عن الغلّة! يتنازل نعم مقابل أن تفتَكَّ عنه وترجع عنه! وهناك روايات طريفة مبتدعة في العلاقة ما بينهما.
فأنا لمّا جئت أعالج هذه الشخصية وأعالج من أين لها هذا السحر، والقدرة على الآخرين وعلى قيادتهم، عالجتها بطريقة مُعيّنة. اعترض البعض على ذلك أنّه قد يطعن في أخلاقها أو في سلوكها الأخلاقي، وأنّ هناك نوع من الجاذبية النسوية الحسية إذا جاز التعبير، فلا نريد ذلك، طبعًا كان هناك خلفية أيضًا قَبَلِيّة في الموضوع، كان ذلك ربما يسيء إلى بعض القبائل التي جاءت منها إلى آخره، وقد يضرّ بالرسالة الدينية أيضًا.
خليل الزيود: طيب وماذا كان الردّ؟
وليد سيف: في الحقيقة في هذه النقطة لم أتمسّك بشدّة، وأعدت الصياغة بحيث أحقق ما أريد دون أن أستفِزّ المشاعر أو الطرف الآخر، ودون أن أتنازل؛ لأنه ليس هناك تنازل مبدئي، هذا الموضوع أنت تعالج فيه هذه الشخصية دون أن يكون عندك التزامات دينية أو أخلاقية تجاهها إطلاقًا، فيكفيها مِنَ الإدانة أنها تقود جيشًا من جيوش الردة.
خليل الزيود: فلا نحتاج أن يدينها أحد يعني.
وليد سيف: بالضبط. ولكن بالعكس أنا على نحو ما أنصفتها، باعتبارها امرأة؛ يعني تملك كلّ هذه القدرات على القيادة، وانصاع لها أعتى الرجال.
خليل الزيود: وفي ظرف حساس.
وليد سيف: وفي ظرف حسّاس للغاية. ويقال في بعض الأخبار إنها طبعًا رجعت بعد ذلك إلى موطنها الأول في الجزيرة الفراتية، ويقال إنها أسلمت.
خليل الزيود: من أكثر من دعمك إيجابيا في تجسيد الصحابة من المشايخ؟
وليد سيف: والله كثير، لا أريد أن أسمي أسماء، ولكن..
خليل الزيود: "لو حدا شهير بس عشان نبيّن أن الدنيا فيها ألوان”
وليد سيف: كثير من أسماء المشايخ التي ظهرت..
خليل الزيود: والتي ساعدت، من أفضل من شعرت أنه يصدر عن أرض راسخة وثابتة وذكاء؟
وليد سيف: هم يحبّون أن يدخلوا في قضية سؤال تجسيد الصحابة، ولذلك لا أريد أن أذكر أسماء.. ولكن كل ما في الموضوع طالما أنهم قبلوا وكانوا يناقشون، وقبلوا الإشراف على العمل من الناحية الدينية، فهُم طبعًا لا يعترضون، هم طبعًا لو سألتهم، سيقولون: نحن لا علاقة لنا بموضوع التشخيص. نحن أردنا أن نتحرّى دقّة المعلومات، وأنها موافقة للمصادر إلى آخره. على الرغم من المصادر التي بينها بعض التعارض الذي عارضت فيه الروايات بعضها بعضًا، هناك رؤية نقدية بما يخدم المعالجة الدرامية، والرسالة التي نريد أن نوصلها إلى الناس. حتّى المعترض عندما كنت أواجهه بالسؤال أين الدليل المُحرِّم؟ أنا لست المنتج أنا الكاتب، كان يقول: لا أقول بوجود الدليل، ولكن من باب سدّ الذرائع؛ حتّى لا يفتح الباب. فأقول له: أنا أخاف ممّا تخاف منه، وحريص، وأغار على ما تغار عليه، وأحرص على ما تحرص عليه.
خليل الزيود: نفس الشيء.
وليد سيف: طبعًا إذا جاء أحد وكتب الآن بدعوى أنه يجوز تجسيد الصحابة، وكتب كتابة تسيء، أو عملًا سيئًا أو ركيكًا لن أتقبّله. ولكن إذا شئتم أن تعترضوا قولوا هذا ما لا نحبّ، أو ما نرجو منعه، لا تقولوا إنّه حرام، لا تمنعوه.
خليل الزيود: دقة المفردة تفتح باب الإبداع، وتغلق باب الإساءة.
وليد سيف: بالضبط صحيح.
خليل الزيود: نعم. طيب عندي سؤال، لماذا لم يُعاد فلم الرسالة مرة ثانية؟ لماذا لم يُجسّد الأنبياء؟ وما رأيك بفكرة تجسيد الأنبياء التي حصلت في إيران؟
وليد سيف: والله لا أحب؛ لأنه عندما جسّدوا الأنبياء في حدود علمي، أنا غير مطّلع على كل شيء، وضعوا هالة النور على الوجه لإخفائه، وأنا لا أحبّ ذلك، الدراما لا تتقبّل هذا كثيرًا.
خليل الزيود: هل أنت مع تجسيد الأنبياء؟
وليد سيف: أنا لا أفعل ذلك.
خليل الزيود: مع الفكرة؟ لا تعترض على الفكرة لو عولجت بشكل ذكي وباحترافية وبوعي وبنضج؟ هل هي مشكلة؟
وليد سيف: لا أريد أن أتصدّر للفتوى في هذا الأمر.
خليل الزيود: ليست فتوى كفكرة، يعني كفكرة للصحابة. ما الفرق؟ بين الصحابي بين عمر بن الخطاب والنبي؟ في قضية التجسيد؟
وليد سيف: من جهة أقول أنا لا أتصدّر للفتوى، ولا أقبل لنفسي أن أتصدّر الفتوى، هذا ليس من مجالي، ولكن يعتمد الأمر في النهاية على المعالجة، وعلى القيمة الفكرية والقيمة العقدية والقيمة الإنسانية والقيمة الجمالية المضافة.
خليل الزيود: المضافة؟
وليد سيف: القيمة الجمالية يعني القيمة الفنية؛ لأنه في الأعمال ذات الطابع الفني، الكيفية تكافئ السؤال عن ماذا تريد أن تقول؟ يعني كيف قلته؟ وماذا أردت أن تقول؟ قد تتقدّم الكيفية على المحتوى نفسه؛ لأنه إذا كانت الكيفية هزيلة تسيء إلى الرسالة نفسها.
خليل الزيود: وإن كانت الرسالة عظيمة؟
وليد سيف: وإن كانت الرسالة عظيمة تسيء إلى الرسالة، لا تسيء فقط إلى المستوى الفني، تسيء إلى الرسالة.
خليل الزيود: وإن كانت الكيفية عظيمة قد تنهض بالمحتوى.
وليد سيف: تمامًا.
خليل الزيود: وإن كانت هزيلة؟
وليد سيف: هنا عندي تحفّظ على هذا الكلام، أنا أقول دائما إن النص الهزيل لا ينقذه الإنتاج الممتاز، بينما النص الممتاز قد يدمّره الإنتاج السيء. يجب أن يقترن الإنتاج العظيم بالمحتوى العظيم. لا بد؛ لأن هذه صناعة متكاملة، إنما نص هزيل ركيك وُضِعَت له من الإمكانيات الإنتاجية ما أردت، وقد حدث هذا.
خليل الزيود: تحدث الآن إنتاجات بالملايين، ولكن يخرج العمل هشًّا.
وليد سيف: بالعكس، بل أسيء إلى الرسالة. لن تستطيع أن تجذب بصريًّا، وتصرف في ذلك عن السؤال.
خليل الزيود: على الرغم من الإمكانيات الكبيرة.
وليد سيف: تمامًا.
خليل الزيود: إذا وقفت عند فلم الرسالة ما رأيك فيه؟
وليد سيف: فيلم الرسالة حقّق نجاحًا وتأثيرًا كبيرًا جدًّا في حينه، ولكنّه رغم طوله أسقط الكثير من القضايا؛ لأنه المشاهد الأجنبي كان في ذهن صانعي العمل، فأرادوا أن يستفزّوه بطرح قضايا قد تكون لها حساسية مُعيّنة عند الجمهور الأجنبي. نحن لسنا مُقيَّدين أو لا ينبغي أن نكون مُقيَّدين بهذا، الأهمّ من هذا أن دراما الأحداث كانت أكثر من دراما الشخصيات، يجب أن يتنبه الناس إلى هذه النقطة.
خليل الزيود: بمعنى؟
وليد سيف: رأينا الأحداث الأساسية، أو بعض الأحداث الأساسية، السيرة والأحداث، كيف بدأت الدعوة، وما لقيه المسلمون الأوائل من الاضطهاد ومن العذاب، إلى آخر الهجرة، بدر، أحد..
خليل الزيود: حمزة..
وليد سيف: إلى آخره، ثمّ فتح مكة وانتهى. وأثناء ذلك بعض الرسائل الإنسانية المتعلّقة بالدعوة وبالرسالة الإسلامية، ولكن أين الشخصيات وتحليل الشخصيات وصراعاتها الداخلية؟ الدراما تقوم على الصراع، ليس فقط الصراع بين هذه الشخصيات وبين الشخصيات الأخرى، أو بين الشخصية الأساسية والعوامل الخارجية أو الظروف الخارجية، إنما الصراع داخل الشخصية نفسها. الدراما تقوم على هذا وعلى التطوّر الذي يحدث.
خليل الزيود: وهذا لم يحصل في الرسالة؟
وليد سيف: لم يحدث كثيرًا، لم يكن حاضرًا بقوّة، كان الحدث هو الأساس.
خليل الزيود: لماذا لم تفكّر في تجديد الرسالة وأنت القادر على ذلك؟
وليد سيف: الحقيقة دُعِيت إلى هذا قبل سنتَيْن، وأُغريت أنه سيكون إنتاجًا ضخمًا، وآن الأوان أن نُجدِّدَ عملًا عن الرسالة بإمكانيات لم تكن متحقّقة في العمل الأوّل إلى اخره، لكن الحقيقة خشيت أن أُكَرِّر نفسي.
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف: أنا لا أحبّ أن أكرّر نفسي؛ لأن الرسالة بشخصيات أساسية فيها، اشتمل عليها مسلسل عمر. فلو شئت أن أعمل فقط عن الرسالة، فسأجد نفسي محكومًا بمعالجة درامية للشخصيات التي ظهرت في فترة الرسالة منذ بدايتها إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، سأكون محكومًا فيها، ومن الصعب عليّ أن أتحرّر منها، فإذا كنت أتحدّث عن معالجة لتلك الفترة، فقد وردت في مسلسل عمر، هذا لا يمنع من أنّه في المستقبل سأحاول أن أحرّر نفسي، وأجد مسارًا آخر.
خليل الزيود: لو أردتَ أن تدخل مضمار تجديد الرسالة، هل ستقبل أن يكون بغير صورة النبي؟
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود: ستقبل؟
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود: قبل قليل قلت لي سيكون ضعيفًا!
وليد سيف: لا هذه نقطة مهمة جدًّا. في فيلم الرسالة كان الرسول صلى الله عليه وسلم غير ظاهر، لكن أنا في رأيي معالجة عدم ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن تمامًا على وفق ما أتمنّاه، ما أرجوه؛ لأنه كان يُنقَلُ عنه بالحكاية. لقد قال رسول الله لقد قال، لاحظ في عمر ستجد أنني تجنّبت هذا بقدر الإمكان، بحيث يأتي النقل بصورة عادية، ولا يأخذ شكل الرواية المضمرة، يعني بدل ما يخرج راو يتحدّث، قال رسول الله ثمّ أمرهم بكذا وكذا. الراوي ضمن الشخصيات، يعني في الرسالة، ولكن الرواية واضحة رواية.
خليل الزيود: صحيح.
وليد سيف: يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خليل الزيود: "واحد ينقل، طب لماذا ما طلّعوا الرسول؟ صح؟ هذا سؤال المشاهد.
وليد سيف: هذه قطعة من نقطة ضعف، يجب أن تجد طرقًا فنيّة لتجاوزها، أو التخفيف منها بقدر الإمكان؛ بحيث يبدو أنّه ركّز على الشخصيات نفسها، وأحداث الرسالة تأتي في الخلفية. معالجة الشخصيات وصراعاتها الداخلية وصراعاتها الخارجية في داخل الأسرة الواحدة كما شهدنا في عمر، وجدنا أن المجتمع الآن كلّه يتخلخل، منظومة القيم السابقة تنهار، والمعايير الناظمة للانتماء الاجتماعي وللهوية تتغيّر. بدلًا من أن تكون الهوية القبلية هي المتحكمة أصبحت الآن الهوية العقدية متحكمة إلى حد كبير، وتقسم المجتمع في داخل الأسرة الواحدة بين المؤمنين والمسلمين الأوائل، وما بين المعاندين لهذه الرسالة أو لهذه الدعوة، وكيف يتطوّر الانسان؟ ولماذا؟ ومن الأسئلة التي طرحتها على نفسي -ليس من قبيل الصدفة- أن الشباب كانوا أسرع إلى تقبّل الدعوة من الكهول والكبار؛ لأن الصغار أو الشباب يستقبلون من أيّامهم أكثر مِمّا يستدبرون، وحتى الآن لم يصنعوا لأنفسهم امتيازات اجتماعية ضمن مواضعات المجتمع السابق، يخافون على فقدانها. بينما الكبار زعماء ولهم مصالح إلى آخره. فتصطدم طبعًا هذه الرسالة بمصالحهم وتهدّد المنظومة الاجتماعية التي يتصدّرونها.
خليل الزيود: أنا لمّا أقرأ لك، أحس أنك تميل إلى فكرة الحريات والعدل، وتميل إلى الشعوب أكثر مِمّا تميل إلى السلطات بأنواعها وأشكالها، ولكن لماذا اخترت عمر ولم تختر مثلًا آخر، تتحدّث فيه عن الانتقال إلى الملك العضود؟ مع أن قصة معاوية وعثمان رضي الله عنهما، وصفّين بما فيها من الأحداث الدرامية والروايات الكثيرة، تخدم إحدى أهم الأفكار التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي حاليًّا.
وليد سيف: هي فيها من الالتباسات أكثر من كلّ الذي ذكرت، وأنا رجل صاحب رسالة، ولا أكتب لمجرّد أن أقدّم مادة درامية مؤثّرة. إذا كانت الرسالة التي ستصل إلى الناس يمكن أن تُفرِّق أكثر ممّا تجمع، فهذه مرحلة حسّاسة مليئة بالالتباسات، وأستذكر للعلم بعد عمر مباشرةً، طُلِبَ منّي أن أكتب في هذه الفترة التي تتحدّث عنها، واعتذرت، وعندما سُئِلت في هذا، اقتبست من فيلم أجنبي بعنوان إفيو جود مين، لتوم كروز وجاك نيكولسون الممثّل العظيم، وكانت هناك محاكمة في الجيش، وفي لحظة مُعيّنة يصرخ المحامي بالجنرال أو الجنرال يصرخ بالمحامي، يقول محامي الادّعاء: ما الذي تريد؟
فيجيب: أريد الحقيقة.
فيجيب الجنرال:
You can’t handle the truth
لا تستطيع أن تتعامل مع الحقيقة.
خليل الزيود: صحيح.
وليد سيف: ونحن في العالم العربي حتى الآن، كثيرٌ من الحقائق الشائكة لا نستطيع التعامل معها، ويفترق عليها الناس، وما يزالون يفترقون عليها، وقد سالت دماء عبر التاريخ فيها، فأنا لن أكون مُسهمًا بأي طريقة من الطرق في مثل هذه الصراعات التي تُمزِّق الأمّة. بدلًا من أن تجمع بينها. والحقيقة في مثل هذه الأمور ستستعدي عليك الأطراف والطوائف المختلفة.
خليل الزيود: كلّها؟
وليد سيف: كلّها؛ لن يرضى أحد، لن يرضى أحد، وسيضيع دمك بين القبائل كلٌّ يطلبه! فمن سبق إليك غبطه الآخر أو حسده الآخر! أنه لم يترك له فرصة الانتقام! وهذا ليس خوفًا على نفسي، ولكنه خوف على مبادئي في المقام الأوّل. صدّقني الحمد لله رب العالمين لا أدّعي ذلك ادّعاءً، لا تؤرّقني فكرة الخوف على الإطلاق من أي طرف من الأطراف، ولكن هذا موضوع لا أخوض فيه. لا أخوض فيه، القراءة الآن تقرأها النخبة، لكن أن أقدّم عملًا يصل لكل البيوت لأظهر لهم حقائق لا يعرفونها السنة، لا تعرفها السنة نفسها لا تعرفها، والشيعة لهم موقف عقائدي أو عقدي واضح فيها.
خليل الزيود: كبحًا لجماح الفتنة؟
وليد سيف: طبعًا، خاصّة في هذا الوقت الذي نشهد فيه..
خليل الزيود: تشتعل الدنيا؟
وليد سيف: كقطع الليل المظلم يتلو بعضها أو يركب بعضها بعضًا، فمالي ولهذا؟ لا يدّعي أحد أنني أريد أن أوصل الحقيقة ولو كانت نتائجها العملية دماء تسيل؟ حاشا لله.
خليل الزيود: طيب نريد أن نسأل عن تجربتك الروائية، عندي سؤال مهم سأتحدّث فيه عن فكرة لماذا الأندلس؟ مع أن هنالك كثيرًا من الأحداث في دولة بني أمية، يعني المنصور عندما يتولّى، عندما يتم تولّيه في الدولة العباسية، سقوط الدولة الأموية من خراسان، هذه فيها كثير من الأحداث والقِيَم، أنت تركت هذا كلّه وذهبت إلى الدولة العباسية المتأخّرة أو الأندلس، واشتغلت عليها. تناقض الشخصيات في داخل عبد الرحمن الداخل وخادمه. يعني لدينا شخصيات عظيمة، لكن تجد داخلها تناقضات، يعني عبدالرحمن الداخل فعل كل شيء، وخادمه بدر لما أحسّ بلحظة من اللحظات أنه يريد أن يقتسم منه قطعة بسيطة جدًّا من الكعكة، بطش به. المنصور نفس الشيء. وغير ذلك من الأسماء الكبيرة جدًّا. عندي سؤالان: لماذا الأندلس؟ تجاوزت بني أمية على علوّ كعبهم، تجاوزت العباسيين على علوّ كعبهم؟ كل شخصية في بني أمية تحتاج إلى سلسلة حلقات، وذهبت إلى الأندلس. كيف عالجت التناقض؟
وليد سيف: بالنسبة للأندلس، هناك نداء غامض قديم منذ صباي المُبكّر إلى الأندلس. لعل السبب في ذلك أنّ القصة الأندلسية، القصة التاريخية الأندلسية، هي قصة درامية، هي قصة تراجيدية، حضارة تعيش زهاء ثمانمئة سنة، ثم تنقضي كأنّها لم تكن!
خليل الزيود: الأموية نفس الشيء! العباسية!
وليد سيف: ولكن الأندلس ذهبت فيها دولة الإسلام على الجملة، أما في المشرق العربي ذهبت دول وجاءت دول إسلامية مكانها، في الأندلس ذهبت كل دولة الإسلام مهما كانت مسمّياتها. ولم يبق من آثارها إلا بعض الآثار الشاخصة التي تُذكِّر بتلك القصة الحزينة، فهناك نداء غامض قديم لا أستطيع أن أحلّله، أن افسّره، أحيانًا أجد نفسي منجذبًا لتفسير قد يكون رومانسيًّا، وقد يسمّيه البعض تفسيرًا غيبيًّا على نحو ما. إذا صحّت الرواية العائلية التي سمعتها، فمن جهة أخوالي يعودون إلى الأندلس، من الذين هاجروا من الأندلس، ومن جزيرة ابيزا التي اسمها العربي اليابسة في الأصل. فعندما كنت أتجوّل في الابيزا في المدينة القديمة المُسوّرة، كنت أحيانًا أمشي وأتخيّل، أمحو المظاهر الحديثة وأبعث المظاهر القديمة من مُخيّلتي، وأرى جدّي ينحدر من الطريق أو يصعد فيها ذهابًا إلى المسجد الجامع في أعلى المكان. ربّما كانت هذه تخيّلات رومانسية، ولكنها كانت مؤثّرة وفاعلة في حياتي، فهذا أحد الأسباب، هذا لا يعني أني لم أعالج غيرها، عالجت من الجاهلية الخنساء وعروة بن الورد وطرفة بن العبد، وعالجت من صدر الإسلام عمر، وعالجت من الدولة الأموية سقوط الدولة الأموية، من أيام هشام بن عبدالملك، وكان آخر الخلفاء الكبار من بني أمية، عالجت سقوطها والثورة العباسية بكل ما فيها من الدراما الحقيقية، ومن شخصيات متناقضة ملتبسة، إلى آخره، ووصلت ذلك كل ذلك برحلة الأمير الشارد عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس، الذي أقام دولة الآباء في الأندلس بعد أن غربت في المشرق. وصلت إلى المنصور الخليفة المنصور أبي جعفر المنصور ، وظهر دوره في الدعوة العباسية وفي قيادة الدولة العباسية بعد تمكّنها، وصراعه مع أبي مسلم الخرساني الذي انتهى بمقتله، وثمّ حتى صراعه مع عمّه عبد الله بن علي، وتدبير مقتله على يد أبي مسلم الخراساني، وهزيمته ثمّ مقتله، فتعرّضت لهذه، وتعرّضت لمرحلة صلاح الدين الأيوبي، وقبل ذلك في أواخر السبعينيّات شجرة الدر.
خليل الزيود : "طب عادي أسأل سؤال لماذا أخرجت لنا هذه الشخصيات على انها مقدّسة”؟
وليد سيف: من هي؟
خليل الزيود: شخصيات كصلاح الدين مثلًا، أبناؤه تقاسموا التركة بسببه..
وليد سيف: ليس بسببه…
خليل الزيود: كيف؟ هو نشّأَ أولاده على ذلك.
وليد سيف: نشّأهم على القسمة؟!
خليل الزيود: نعم، ورّثهم بذلك وأوصى لهم، هل يوصي أحد بأرض الإسلام لأبنائه؟!
وليد سيف: لا نريد أن نطبّق معايير الوقت الحاضر على ذلك الزمان؛ كان الحكم سلاليًّا في العالم كلّه في ذلك الزمان، فالسلالة ترِث، ترث ثمّ تتقاسم، ثمّ تتصارع ثمّ…
خليل الزيود: لكنه كان يعرف أن أولاده لا يصلحون للملك، هكذا روايات التاريخ لمّا نقرأ في التاريخ.
وليد سيف: لم أقدّس أحدًا، بالعكس، من الأشياء التي لفتت انتباه النقّاد والنخبة والجمهور، أنّني لم أقدّم شخصية مقدّسة، قدمت أبعاد الشخصية المختلفة ونقاط الضعف الموجودة فيها. الآن صلاح الدين يختلف عن صقر قريش، يختلف عن دعاة الدولة العباسية، يختلف عن الأمويين، إلى آخره. جاء في مرحلة تحرير الساحل الفلسطيني والقدس من الصليبيين، وكان رجلًا نقيًّا إلى درجة بعيدة جدًّا، فأنا لن أصطنع له عيوبًا أو عورات ليست فيه! أو لم أجد لها أصلًا! ولكنني أظهرت أنه في مرحلة شبابه كان يغشى الحانات، لم أخف من إظهار ذلك. يعرف ذلك المُؤرّخون والدارسون ولكنهم يسكتون عنه، أنا لم أسكت عنه، أظهرته، وجعلت هذا جزءًا من الحال الإنساني، وكيف كان يخالطه شعور التأثُّم من هذا. واصطنعت حوارًا بينه وبين عمّه شيركوه حول هذه القضية، ثمّ يُقرُّ المؤرّخون أنه حين استلم السلطان، وتولّى عملية الجهاد، خرج من كلّ هذا، وتخلّى عن هذه الخلفية. ولم أنسب إليه الانتصار كاملًا؛ يعني منذ البداية هو نفسه قال: أنا نتاج تيّار بأكمله، بدأه عماد الدين زنكي، وابنه الشهيد محمود زنكي، وأنا أكمل ما بدأوا به. والأمّة كلّها تحفّزت وعُبِّأَتْ من أجل عملية….
خليل الزيود: عمرو بن كلثوم كانت عنده قصة أقوى من قصّة طرفة، عنترة كانت عنده قصة العبودية والحرية والنضال والجهاد، أفضل من قصة طرفة. لماذا اخترت طرفة دون غيره؟
وليد سيف: الحقيقة، كوني اخترت شخصية معينة، لا يعني أنني قدّمتها بالضرورة على غيرها، هناك ظروف معينة تحملني إلى هذه الشخصية؛ شخصية طرفة معقّدة للغاية، يعني تطرح قضية إنسانية عالجتها الأعمال الأدبية بأشكالها المختلفة في العالم كلّه؛ لأن إحدى الثيمات أو الموضوعات الأساسية المتعلقة بالشرط الإنساني والشرط الاجتماعي، هي الصراع ما بين الفردية والجمعية.
خليل الزيود: صحيح القبيلة والفرد.
وليد سيف: نعم، القبيلة والفرد. كلّ منا يعيش هذه الأزمة بأقدار مختلفة، تريد أن تستقلّ بشخصك، تريد أن تتحرّر من الإملاءات الخارجية، ولكن إذا بالغت في هذا على حساب انتمائك الاجتماعي الكلفة غالية جدًّا، وإذا قبلت بأن تتنازل عن فرديتك وعن ذاتك وعن حرياتك من أجل المجتمع المحيط بك، بكلّ ثقله ومعاييره الضاغطة، أيضًا تكون فقدت نفسك وفقدت روحك. فيتأزّم الأبطال في التاريخ بين هذا الخيار وذلك الخيار. البعض يستطيع أن يصل إلى سوية متوازنة بين هذا وذاك؛ لأنك بحاجة إلى المجتمع، ويجب ان تقدّم بعض التنازلات في سبيل ذلك، لكن ليس من مبادئك الأساسية في أحيان مُعيّنة، ولا تريد في الوقت نفسه أن تخسر فرديّتك..
خليل الزيود: نَزَلَ طرفة على شرطهم في النهاية..
وليد سيف: وهذا يعتمد على طبيعة المجتمع أيضًا؛ لأن المجتمع القبلي الذي عاش فيه طرفة معروفٌ أنه مجتمع جمعيّ شديد، يطلب منك أنت الفرد الذي تنتمي إليه أن تتنازل عن فرديتك، وأن تندمج بدستور الجماعة العرفي، مقابل أن يمنحك الأمان في نفسك وفي حياتك وفي طعامك!
خليل الزيود: أو تتصعلك؟
وليد سيف: وإلّا خلعك إذا تفرّدت عنه بسلوكك، ولم تنتظم ضمن معاييره، تصير كلفتك على المجتمع أو على الجماعة القبلية أكبر من المردود الذي يأتي منك. فالجماعة غير مستعدّة أن تقدّم لك مغانم دون أن تحتمل أنت في المقابل مغارمها، فتخلعك. من هنا جاءت كلمة الخلعاء، الآن نفهمها فهمًا أخلاقيًّا مُعيّنًا في ذلك الحين، تعني خلعته قبيلته. وهؤلاء نوع من أنواع الصعاليك. والمشكلة إذا خلعتك القبيلة أصبح دمك مُباحًا لِمَن أراد؛ لأنه لن تجد القبيلة تطلب دمك على الإطلاق، ولذلك أزمة طرفة أن فرديّته كانت قويّة جدًّا، ورغبته بالحرية كانت شديدةً جدًّا، لا سيّما أن مَن ينبغي أن يحفظ له حقوقه وهو القبيلة، لم يحفظ له حقوقه عندما مات أبوه وعدا أعمامه على إرثه.
خليل الزيود: صحيح.
وليد سيف: فهذه أول صدمة صُدِمَها من فكرة الجماعة وفكرة القبيلة إلى آخره، واستخدم شعره للتشهير بأعمامه وهو بعد في العاشرة من عمره؛ فاستردّ بذلك بعض حقوق أسرته الصغيرة، ثمّ وجد القبيلة غير قادرة على حماية نفسها من ملك جبّار هو عمرو بن هند، هذا الملك الجبّار الطاغية كان تابعًا لقوّة خارجية يمثّلها كسرى.
يعني فوجد أنّ المنظومة القيمية الاجتماعية التي تطالبه بأن يتخلّى عن جموحه الفردي من أجل الجماعة، لا تعطيه في المقابل المغانم التي درجت القبيلة على أن تعطيها للفرد فيها. لا تستطيع أن تحمي نفسها من ملك طاغية، يجيّر أوامره فيها لمصلحة الأجنبي. فاغترب عن قبيلته في الآفاق، خلع نفسه على نحو ما لم تخلعه، لكن خلع نفسه على نحو ما، واغترب في الآفاق. فحضرت القبيلة في غيابه أكثر ممّا كانت حاضرة في نفسه وهو فيها.
خليل الزيود: صحيح.
وليد سيف: لماذا؟ لأنه كلما أراد قوم أن يأخذوه، ثم اكتشفوا أنه من بكر وهي من جماجم العرب القوية جدًّا، رجعوا عنه، واعتذروا له على نحوٍ ما، أو نجا من بأسهم ونجا من انتقامهم. باسم القبيلة التي أراد أن يتحرّر منها.
خليل الزيود: كيف تتحرّر أنت من التناقض داخل الشخصية؟ عبدالرحمن الداخل والاستبداد، والمستبد الصغير الذي كان في داخله؟
وليد سيف: كل واحد له طريقته، في النهاية أنا في الواقع ألمحت أنّ طرفة اختار موته لأنه في النهاية لم يستطع أن يستقرّ ويندمج في القبيلة عندما عاد إليها، ولم يستطع أن يحقّق شيئًا مِمّا كان يطمح إليه، عندما نال فرديته وانتهى أخيرًا على باب الملك الذي نقم على قبيلته؛ بسبب طغيانه عليهم. انتهى على بابه نديمًا …
لأني توقّفت الحقيقة عند أبيات من الشعر تُفصِحُ عن هذه الأزمة:
فإنْ كُنتَ لا تستطيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي
فَدَعْنِي أُبادِرُها بِمَا مَلَكَتْ يَدِي
يعني أنا لم يكن لي خيار في الحياة، فليكن لي خيار في الموت! هذه الحرية الأخيرة التي يمكن أن أدّعِيها لنفسي. ولذلك يحمل رسالته هو وخاله المتلمّس. قرأ المتلمس الرسالة التي أعطاها عمرو بن هند لهما ليعرضاها، وعليها الختم، فتحها فوجد فيها الأمر بقتله، ثم قال له: "إنك لتعلم أن الذي في كتابك كالذي في كتابي”. قال له: "لا أفضّ ختم ذلك ولا أجرؤ عليه”، لا يمكن أن يكون غبيًّا. شاعر عظيم بهذا المستوى لا يمكن أن يكون غبيًّا ومُغفّلًا لهذه الدرجة، أنا في رأيي أنّه اختار هذه المغامرة.
خليل الزيود: الدفاع عن قيمته؟
وليد سيف: عن قيمته لِيُعَوِّضَ عن التنازل الذي قدَّمَهُ قبل ذلك، وفي الوقت نفسه يمتحن قبيلته. ها هو أحد أفراد قبيلتكم وشاعركم الأعظم سيُقتَلُ بأمرٍ مِنَ الملك لعامله.. فإن قاموا فقد حصل الذي يريد.
خليل الزيود: طوال سنوات عمره وهو يتمنّى منهم ذلك.
وليد سيف: بالضبط.
خليل الزيود: الثورة عليه.
وليد سيف: بالضبط. وإن لم يفعلوا فالحياة لم تعد لها معنىً أصلًا بالنسبة إليه، وهو يطلب الموت. ويقيم بذلك الحجّة على قومه الذين خذلوه.
خليل الزيود: فهو في كلتا الأمرين..
وليد سيف : بالضبط
خليل الزيود: حقّق ما يريد، أو المبدأ الذي قُتِلَ من أجله.
وليد سيف: هذا وهو في العشرينيّات -تخيّل- من عمره، فهو شخصية تراجيدية إنسانية مذهلة.
خليل الزيود: حتّى أنت على المستوى الشخصي هو يمثّلُك؟
وليد سيف: إلى حدٍّ كبيرٍ نعم.
خليل الزيود: تجد أنّ فيه شيئًا منك؟
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود: أنا شعرت حتّى وأنت تكتب، أنا قرأت نص الكتاب الذي أنت صنعته، فأحسست أنّك تكتب عن دكتور وليد أكثر مِمّا تكتب عن طرفة.
وليد سيف: كل من يكتب عنه الكاتب في الأصل ستجد شيئًا من ذاته ومن نفسه فعلًا.
خليل الزيود: صحيح. طيب أنا كنت أسأل عن موضوع .. وردت كلمة الطهورية أو التطهير ما فهمتها والله. أنت قلت: الكاتب عندما يكتب عن شخصية مُعيّنة يَتمثَّلُها، فأنت قلت: الكاتب هنا يتطهّر، ما فِهِمتُ ما معنى يتطهّر؟!
وليد سيف: لا أذكر أني قلت ذلك، إنما قلت لا لم أقدّم شخصيات طهورية..
خليل الزيود: لا لا لا أنت قلت الكاتب عندما يتحدّث عن قصة الحب…
وليد سيف: تقصد في الكتابات؟ لم أقل ذلك في المقابلة إنما يمكن…
خليل الزيود: لا لا ليس في المقابلة، أنا في الكتاب قرأت لك ذلك.. كيف يتطهّر الإنسان عندما يتمثّل شخصيّة مُعيّنة، أو يكتب عن شخصيّة، ما فهمت..
وليد سيف: عندما يكتب عن شخصية مُعيّنة ويُظهِر شقاءَها الإنساني وصراعاتها الداخلية، وكيف تنتهي، يشعر بنوع من التطهُّر، مِمّا يرفضه في هذه بالتماهي مع ما يقبله.
خليل الزيود: ما فهمت.
وليد سيف: يعني عبدالرحمن الداخل على سبيل المثال، سألتني عنه أو أنه ورد ذكره على لسانك، أنا تعاطفت معه بالتأكيد، ولكن الدراما لا تقوم بدون صراع، إنّما تقوم على الصراع وعلى التطوّر، هناك عملية تطوّر الشخصية التي لا تتطوّر، لا تصلح للمعالجة الدرامية ولا للمعالجة الروائية؛ لأنّك أنت منذ اللحظة الأولى ستراها على نفس الهيئة حتى نهاية العمل، فأين التطوّر؟ وأين القيمة في العمل كلّه؟ ما هي القيمة في الموضوع؟ الآن أسئلة كثيرة تنشأ من ذلك؛ العلاقة بين مكانك الاجتماعي أو مكانك من السلطة وما بين رؤيتك للأمور! عبدالرحمن الداخل عندما كان طريدًا شريدًا كانت رؤيته للأمور على نحو مُعيّن، وعندما توصّل إلى السلطة صار على نحو آخر. حتّى إنه في الحوار الأخير وجد نفسه يتماهى مع عدوّه الأكبر، مع بني العباس الذين قتلوا قومه، والذين لحقوا به أو ألحقوا به أعوانهم…
خليل الزيود: ورغبوا في استئصال شأفته غير مرّة.
وليد سيف: بالضبط. ومع ذلك وجد أنه إذا كان قومي أهلي أقربائي الذين أتيت بهم من الشام لأكرمهم عندي تآمروا عليّ فما الفرق؟! وهل الموت بيد القريب أهون من القتل بيد البعيد؟! يبدو أنّ من طبائع السلطان أن يُكَوِّنَ مثل هذه الصراعات، وأن تكون مثل هذه المواقف التي تبدو دمويّة، ولكنها من وجهة نظره منطقيّةً، حُمِلَ عليها حَملًا، لا يوجد إنسان أو أحد في الدنيا يبحث عن ذرائع، وكما ذكرت أكثر من مرّة، السلطان يصنعه صانعوه، ثم يصبحون أسرى له، يصنعهم على هيئته.
خليل الزيود: جميل الذين صنعوه؟
وليد سيف: الذين صنعوه يُصنعونَ به بعد ذلك، هذا الذي يحدث عبر التاريخ؛ عندما يكون الحكم قائمًا على السلطان المطلق في نهاية الأمر، ولذلك الأمم تطوّرت إلى أن تكون مراكز القوى موزّعةً، لا أن يحتكرها فرد واحد.
خليل الزيود: هل سُجِنَ الدكتور وليد سيف في التراث؟
وليد سيف: لا، التراث أستدعيه لهذا العالَم الذي نعيش فيه، هذه مفارقة…
خليل الزيود: أنت قلت: "أنا لا أنقل التاريخ أنا أستلهم التاريخ”.
وليد سيف: أنا أستلهم التاريخ، وأستخدم المادة التاريخية لأكتب لإنسان معاصر، ولإنسان سيأتي بعد ذلك. ليس هنالك مادّة نعالجها ليست تاريخيّةً، حتى لو كانت مادة من واقعنا التاريخي، وقد تكون مغتربة عن الواقع على الرغم من أن الأحداث تدور من الناحية الزمنية في الواقع الراهن الذي نعيش فيه، مغتربةً عنه؛ لأن المعالجة لم تدخل في أعماق هذا الواقع وفي باطنه وفي علاقاته الحقيقية، لتفسِّرَ السلوك والعلاقات الشخصية والأحلام المنكسرة أو الطموحات البعيدة، إنما قَدَّمَت معالجة درامية رومانسية لا علاقة لها بحقائق الواقع الذي نعيش فيه. طيب.. هذا عمل إذًا مِنَ الناحية الزمنية يدور في الوقت الحاضر، ولكنه عمل مغترب عن هذا الواقع، فالذي يُقرِّر مدى راهنية العمل ومدى صلته بالواقع هو المعالجة، سواءٌ كانت المادة من التاريخ الماضي أو المادة من التاريخ الحاضر، فقد تَضِلُّ أنت بهذا أو بذاك، وقد تُصيبُ بهذا أو بذاك، وفي النهاية كما قلت، المادة التاريخية نستعملها، نتجاوز بها خصوصية الزمان والمكان؛ لنخاطب ليس فقط الناس في أسئلتهم الحاضرة، بل نخاطب المتلقّي في أي وقت من الأوقات. ولذلك أعمالٌ كُتِبَت قبل أربعمئة سنة قبل خمسمئة سنة نقرأها ونُعيد قراءَتها، ونكتشف فيها طبقات جديدة من المعاني لم يكتشفها الأوّلون، لتأويلها على نحو معين.
المرئي يتأثّرُ بالعين الرائية، والعين الرائية هي نتاج كيف نرى الأمور..
خليل الزيود: ماذا أردت أن تقول للجيل من كل ما كتبت؟ من كل ما فعلت؟ ماذا أردت أن تقول للجيل المُقبِل؟
وليد سيف: والله صعب جدًّا أن أختزلها في بعض الحِكَم..
خليل الزيود: ليس بعض الحكم، أنت ماذا تريد أن تقول لهم؟
وليد سيف: قضية الحرية هي القضية التي تؤرّقني جِدًّا جِدًّا، لا أقول الحرية المطلقة، ولا أقول بالتمييع بالمفهوم…
خليل الزيود: بالمفهوم الليبرالي الذي تحدّثت عنه؟
وليد سيف: بالضبط، إنما الحريات ومواجهة أشكال الاستبداد المختلفة من القضايا التي تؤرّقني، وأريد دائمًا أن أستبطِنَ النفسَ الإنسانية بكل تناقضاتها، بكل صراعاتها، بكل شروطها، إلى أن نظرت في الثيمات أو موضوعات الأعمال الأدبية في العالم كله، عبر التاريخ، قد تستطيع حصرها في قائمة، لكنّ الجديد في كل مرّة في عمل جيّد أو مبدع، هي طريقة المعالجة..
خليل الزيود: كيف؟
وليد سيف: كيف؟ أرجِعُ إلى الكيفية، تعمُّقٌ مِن وعي الإنسان بذاته، وتعمّقٌ مِن وعي الإنسان بواقعه، بشروطه الاجتماعية…
خليل الزيود: الذي يشتغل على الحرية مقابل الاستبداد، أو يناهض الاستبداد بهذه الأعمال، يجب أن يُمنَع، لَمْ تُمنَعْ لَكَ أعمالٌ قَطّ!
وليد سيف: لِحُسنِ الحظ، أرجو ألّا يُتفَطَّن.
خليل الزيود: نعالجها بالمونتاج؟
وليد سيف: لا طبعًا، هناك سببٌ آخر، ذَكَرْتُ هذا في غيرِ موضع سابق، وقلت إنّ العمل الأدبي الذي يُخاطب القضية بطريقة وعظية مباشرة وفجّة، يُحبِط العمل الأدبي نفسه، وهذا الذي ينظر إليه الرقيب في الوقت نفسه، أمّا إذا ما قدّمتَ عملًا..
خليل الزيود: الرقيب ليس بذلك الذكاء أن ينظر إلى الرسائل الباطلة؟!
وليد سيف: لا، أنت تُقدّم عملًا أدبيًّا المفروض أن يكون متجدّدًا، قراءته متجدّدة، وألا يكون وعظيًّا مُباشرًا، وألا يتناول جُزئية صغيرة وقتية أو ظرفية. تنطلق من الظرف إلى الأفق الإنساني بصورة عامة. عندما تكتب بهذه الطريقة تكون موافقًا لشروط العمل الأدبي المُتجدّد ومقتضياته. الذي ترجوه أن يكون خالدًا، أن يكون باقِيًا على الأقلّ. وفي الوقت نفسه، هذا لا يستفزّ الرقيب، حتى لو أدرَكَ وَفَهِمَ، صَدِّقْنِي، هو فقط يطلب ألّا تتعرّض له مباشرة، باسمه وبرسمه. نحن لن نتعرّض باسمك ورسمك في عمل أدبي أكبر من أن يتمحور حولك!
خليل الزيود: نسأل سؤالين سريعين وأخيرين: السؤال الأول، هذا العمل والإنجاز كلّه على حساب وقت البيت؟
وليد سيف: نعم.
خليل الزيود: والعائلة والأبناء، فهل ظلمتهم؟ وأجحفت في حقّهم؟ فما كان منك في السنوات الأخيرة إلا أن انكفأت عندهم؛ لكي تقول لهم اغفروا لي تقصيري معكم!
وليد سيف: لا لا أظنّ ذلك، لو أنّك سألتهم ليقولنّ الذي أقوله، وهو أن هذه الأعمال وهذه الإسهامات لم تأتِ على حساب البيت والعلاقات الأسرية ومسؤولياتي الأسرية، ثم إنني أكتب وأنا قعيد البيت، فأنا متاح في كل الأوقات، ونقطة ثالثة تتعلّق بالموضوع، إذا انطلقت في الكتابة لا تظنّن أنّ هذي الإنجازات صرفتني وصرفت وقتي عن المسئوليّات الأخرى أبدًا؛ لأنّ النقطة الأصعب هي نقطة البدء والتحضير، فإذا انطلقت في العمل ودخلت فيه أنجزه في وقت قياسي، في شهور، ما يُنجَزُ عادةً في سنة أو في سنوات.
خليل الزيود: السؤال الثاني، هل توزير خالد كان لك فيه دور بطريقة أو بأخرى؟
وليد سيف: لا أعلم شيئًا من هذا.
خليل الزيود: أبدًا؟
وليد سيف: أبدًا أبدًا.
خليل الزيود: ولا علاقة لك بالأمر؟!
وليد سيف: لا علاقة لي بالأمر لا من قريب ولا من بعيد.
خليل الزيود: ولا بمحاولة اتصالات أو ترتيب الأمر؟
وليد سيف: أبدًا، لا يُمكِن، بالعكس قد أكونُ….
خليل الزيود: سببًا في تأخيرِهِ؟!
وليد سيف: على الإطلاق، ولكن إذا كان هناك احترام لأبيه أعانه في عمله فذلك خير.
خليل الزيود: فبها ونعمت.
وليد سيف: بالضبط فذلك خير، ولكن أن أكون أنا سببًا أو أنني تدخّلت بأيّ طريقة، ليس لي هذه الدالّة أصلًا.
خليل الزيود : صحيح، ولو كان عندك ذلك لسعيت لنفسك قبلها!
وليد سيف: بالضبط، بالضبط.
خليل الزيود: حفظ الله أيامك يا دكتور.
وليد سيف: الغريب أن يكون خالد وزيرًا.
خليل الزيود: بالضبط وأبوه الدكتور وليد سيف، هذا صحيح. أستاذنا الكبير والكريم، هل تؤمن بالأدب الإسلامي؟
وليد سيف: ذكرتُ سابقًا أنّ أي عمل أدبي أو عمل فني يستخدم الأسلوب الوعظي المباشر، والأيدولوجيا تكون فيه حاضرة بقوّة، يكون قد أضعف العمل الفني نفسه، وتجاوز مقتضيات الجنس الأدبي نفسه، كما قلت، الأعمال العظيمة هي الأعمال، طبعًا لا يمكن أن تنفكّ عن خلفية كاتبها وتحيُّزاته الفكرية.
خليل الزيود: وهذا الطبيعي.
وليد سيف: لا، وهذا هو الشيء الطبيعي على ألا يستعمل ذلك بطريقة مباشرة وفجّة، فأنت إذا كتبت عن أي موضوع اجتماعي، "شايف كيف” لم تدعُ فيه إلى معصية ولم تدع فيه إلى كذا وكذا…
خليل الزيود: حافظت على القيم العُليا، القيم الإنسانية..
وليد سيف: بالضبط.
خليل الزيود: فأنت مع فكرة الكاتب الإنساني أكثر من فكرة الكاتب الإسلامي؟
وليد سيف: لكن الكاتب الإنساني الذي لا يتعالى على خصوصية مجتمعه، ينطلق من المحلي إلى الإنساني، ومن القضايا المباشرة التي يعيشها ويعيشها شعبه وأمته، لينطلق منها إلى الإنسانية.
خليل الزيود: من غيرِ أدلَجَة.
وليد سيف: أما الإنسانية المُتعالية على الثقافة..
خليل الزيود: هذا برج عاجي..
وليد سيف: قد تكون خطيرة سياسيًّا، قد تكون خطيرة سياسيًّا لماذا؟ لأنّها تتجاوز حدود الهُويّات، ومن ثمّ تتجاوز معنى الصراعات الحقوقية.
هنالك صراع ما بين غالب ومغلوب، بين صاحب حقّ وبين ظالم، بين ظالم ومظلوم، ما بين مغزوٍّ وغازٍ، أمّا أن نتعالى على هذه الهويات، ونبدأ نتحدّث عن الصراعات باعتبارها صراعات قائمة على اختلاف الهويات، وأن حلّها يكون بقبول الآخر فقط، والإيمان بالتعددية، نعم يجب أن نؤمن بالتعددية ولكن هناك حقوق…
خليل الزيود: تُستَرَدّ ثم نؤمن بالتعددية.
وليد سيف: هذا بالضبط. لمّا يكون هناك متغلّب ظالم ومغلوب مظلوم فهذه هي القضية، قضية الصراع بين صاحب الحق وبين من اعتدى على الحق. أما أن نتعالى على هذا باسم القيم الإنسانية الجامعة، فهذه في الواقع من بؤس بعض الكُتّاب الذين يريدون أن يقدّموا بين يدي أعمالهم بهذا الحسّ الإنساني المُتعالي!
خليل الزيود: ما الذي لم تقله في الشاهد المشهود؟
وليد سيف: لا أدري، يجب أن أفكّر في الأمر.
خليل الزيود: قضية أردت أن تكتبها ثمّ أحجمت؟
وليد سيف: لا، لم أقف عند قضية مُعيّنة ثمّ أحجمت.
خليل الزيود: كلمة أخيرة، لقد انتهينا أستاذنا الكبير والكريم، ماذا تريد أن تقول؟
وليد سيف: والله يعني لعلّي قلت دائمًا، أُفَضِّلُ أن أستجيب للأسئلة الموجودة، ولكن عبارة واحدة ربّما أستدرك فيها على كلامٍ سابق قُلناهُ في حلقة سابقة، ولا نُقلّل من أهمية صراع المعاني، حتى ونحن نفتقر إلى القوة غير الناعمة، ونفتقر إلى القوة المادية، يبقى هناك مجال هامّ للصراع، وهو صراع حول المعاني. عندما يستطيع العدو أن يُجرّدنا من المعاني الخاصّة بقضيتنا، ويجعلنا قُصّرًا نعيد تعريفها، ويفرض علينا سرديّته بحكم القوة المادية، هناك تكون الخسارة الكبرى، فلا نقلّل من أهمية هذا الصراع. صراع المعاني نصفه بأنه صراع ذهني رومانسي إلى آخره، لا، لا، ما نتصارع عليه في كثير من الأحيان هو المعاني..
خليل الزيود: وهو الذي يجب أن ننتبه إليه؟
وليد سيف: بالضبط، طالما أني أمتلك هذه المعاني وأقاوم بها، المعاني التي يريد أن يفرضها الآخر عليّ فأنا موجود.
خليل الزيود: لأنه خسر أصلًا أن يُقاتِلَ فيها.
وليد سيف: بالضبط.
خليل الزيود: جزءٌ مِن حربه، هو يقاتل من أجلها.
وليد سيف: بالضبط عندما أتنازل عنها، فقد غزا عقلي واستطاع أن يحتلّه، وبالتالي تنتهي قضيتي المادية نفسها على أرض الواقع.
خليل الزيود: عندما قُتلت الرمزية؟
وليد سيف: عندما قُتِلَت الرمزية، أحسنت.
خليل الزيود: صحيح، لذلك هو أصلًا يحتفي بشعرائه، يحتفي بمسرحيّاته ويحتفي بالأفلام. يدفع الملايين لكي يغذّي الدراما لديه، الملايين.
وليد سيف: وهو يمتلك القوة المادية الاقتصادية..
خليل الزيود: ولا يحتاج الدراما كلها، ومع هذا وذلك يغذّي الشاشة والسينما بالرسائل، على مستوى أفلام الكرتون يفعل ذلك.
وليد سيف: أحسنت.
خليل الزيود: على مستوى الطعام يفعل ذلك.
وليد سيف: أحسنت بالضبط، فلا نقلّل من صراع المعاني والرموز، هذه مهمّتنا الأولى..
خليل الزيود: نعم صحيح، حتى وإن قلّل منها البعض، حتى وإن حاول البعض أن يشعرك أن هذا الشيء تافه وغير مهمّ، وكلها كلمة..
وليد سيف: بالضبط، باسم الواقعية يريدون أن نتخلّى عن روايتنا وعن سرديتنا وعن المعاني التي نعيش بها.
خليل الزيود: وهم لا يتخلّون عن ربع سرديتهم!
وليد سيف: إطلاقًا.
خليل الزيود: عن الكذب، هم يستطيعون تأليف رواية من العدم؛ لكي يبني لنفسه هيكلًا مزعومًا ذهنيًّا أو روائيًّا، ويقاتل عنده.
وليد سيف: بالضبط، وأنا عبّرت عنها في عبارة، قلت: "بالنسبة لنا الأرض عبر التاريخ تصنع أساطيرها”.
خليل الزيود: الله!
وليد سيف: هم يحاولون أن يصنعوا وطنًا من الأسطورة.
خليل الزيود: صحيح أرضًا من الأسطورة، ونحن نصنع أساطيرَ من أرضنا، أساطير واقعية.
وليد سيف: ولذلك، رمزيّاتنا كلنا نلاحظ أنها لا توجد في أعمال أدبية، رمزيّاتنا مستمدة من ماذا؟ من الطبيعة، شجرة الزيتون، والمرأة التي تحتضن شجرة الزيتون، سلاسل الحجارة، الصبّار، النعناع البريّ، الزعتر البريّ، كل هذه الرمزيات حاضرة في أدبنا وفي مكيالنا.
خليل الزيود: ويجب أن تبقى.
وليد سيف: يجب أن تبقى، بينما في مكياله الأدبي تحضر المدينة، وهي مدينة لا تختلف عن المدينة الغربية، يعني لو قرأتها خارج هذا السياق، لوجدتها يعني أيّ مدينة!
خليل الزيود: متخيلة أو واقعية، لكن خارج السياق الذي تحدث فيه. أستاذنا الكبير والكريم والعظيم والجميل والأنيق الدكتور وليد سيف، إنْ كُنْتُ سأضعُ في سيرتي الذاتية في قابل الأيام عن أحد التقيتُهُ، فسوف تكون أنت، على رأسهم، أنت إضافة نوعية أستاذنا، وفخورون أن لدينا شخص في الأردن بحجمك وذوقك وأدبك.
وليد سيف: بارك الله فيك.
خليل الزيود: أنا آسف، يجب أن أنهي، أعتذر منك، أنا والفريق كامل نعتذر منك، سوف ننهي هذا اللقاء.
وليد سيف: الله يخليك.
خليل الزيود: "أنا ما أعرف شو بدي أحكي، لكن أعزائي المشاهدين والمتابعين والمستمتعين معنا والمُتلذّذين:
خليل الزيود: رفع الله قدرك، فخورون بك واللهِ، ومستمتعون معك.
وليد سيف: "الله يبارك فيك”
خليل الزيود: "الله يسعدك يا رب ويبقيلنا إياك ويخليك”.
وليد سيف: شكرًا على الأسئلة الذكية، التي استطعت فيها أن تتحرّر من السوابق، "الله يخليك ويبارك فيك، ما شاء الله عنك، الله يوفقك والله ويزيدك رفعة على رفعة ومعرفة على معرفة إن شاء الله”.
خليل الزيود: شكرًا يا دكتور، سعداء بك، شكرًا شكرًا.