الدكتور ليث عبدالله القهيوي
إن من ينظر إلى الدول الأكثر تأثيراً بالعالم، علمياً ومهنياً ومعرفياً وفكرياً، يجد أن تاريخها يشير إلى أنها كانت دول فقيرة شحيحة الموارد، وبنيتها التحتية في تواضع كبير، إلّا أن الارادة السياسية والادارية كانت مبنيّه على نظره ثاقبة استشرافية دائمة التحديث، برقابة مستمرة وتحسين مبني على أفضل الممارسات وأنجعها، حيث أن وجود الشباب وهم الأكثر رشاقةً وحيويةً وتحولاً رقمياً في مناصب الدولة وهم جيل الثورة الصناعية الرابعة، أفضل بكثير من وجود الكثير من أصحاب الفكر القديم المتهالك والمدارس الادارية القديمة والتي لا تؤتي ثمارها مهما زرعت.
مشكلتنا الحقيقية في من يتم تقليده إحدى المناصب في أي من المناصب المتاحة، ومن اليوم الاول لتعيينه لا يلتزم بالخطط الاستراتيجية للدولة ووزاراتها ومنظماتها ومؤسساتها المختلفة، وهذا الابتعاد عن العمل المؤسسي يضر بشكل كبير الاطار المفصلي لتحول المملكة إلى اقتصاد معرفي قائم على مرتكزات وممكنات ذات أدوات ومنهجيات خلاقة.
ففي المشهد العالمي الذي يشهد تغيرات سريعة اليوم، تدرك الحكومات بشكل متزايد الحاجة إلى التحول والمرونة للتصدي بفعالية للتحديات والفرص الناشئة. إحدى الاستراتيجيات الرئيسية لتحقيق ذلك هي من خلال إعادة هيكلة المناصب الإدارية والسياسية داخل الإطار الحكومي، حيث تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم تحولات ديناميكية مدفوعة بالتقدم التكنولوجي، والشكوك الاقتصادية، والتوقعات المجتمعية المتغيرة. ولكي تظل الحكومات ذات صلة وفعالة، يجب أن تكون قادرة على التكيف والاستجابة لهذه التغييرات.
إن إعادة هيكلة المناصب السياسية والادارية ,هي بمثابة حافز للتكيف مع الديناميكيات الجديدة. ومن خلال إعادة تقييم الأدوار والمسؤوليات وعمليات صنع القرار، تستطيع الحكومات مواءمة القوى العاملة لديها مع الاحتياجات المتطورة للمجتمع وتعزيز ثقافة الابتكار لديها، ومن الممكن أن تؤدي أوجه القصور البيروقراطية وعمليات صنع القرار المعقدة إلى إعاقة اتخاذ القرار الفاعل وفي الوقت المناسب، لذلك عادةً ما تسمح إعادة هيكلة المناصب الإدارية للحكومات بتبسيط قنوات صنع القرار، والحد من الاختناقات، وتسهيل الاستجابة بشكل أسرع للتحديات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تسطيح التسلسل الهرمي وتمكين المسؤولين في الخطوط الأمامية إلى اتخاذ قرارات أكثر استنارة ومرونة، مما يمكن الحكومات من التعامل مع التعقيدات بشكل أكثر كفاءة.
كما يمكن للتحديث الحقيقي المنشود وبأيدي الشباب أن يعزز زيادة المساءلة والشفافية داخل العمليات الحكومية. حيث تساعد الأدوار والمسؤوليات المحددة بوضوح على إرساء المساءلة، مما يضمن مساهمة كل منصب في تحقيق الأهداف العامة للحكومة. علاوة على ذلك، يمكن لقنوات الاتصال الشفافة والوصول المفتوح إلى المعلومات بناء ثقة أكبر بالجمهور، وتمكين المواطنين من فهم الإجراءات والقرارات الحكومية بشكل أفضل. وهذه الشفافية أمر بالغ الأهمية بالنسبة للحكومات للحفاظ على الشرعية والتعامل بفعالية مع مواطنيها، لأن الهياكل المعقده واللارشيقة للأنظمة الإدارية والسياسية التقليدية تخنق الابتكار والإبداع. ومن خلال إعادة هيكلتها، تستطيع الحكومات أن تعمل على خلق بيئات تشجع الأفكار بأساليبها الجديدة، كل ذلك سيمكّن الموظفين من تحمل المخاطر المحسوبة وتجربة الحلول المبتكرة يمكن أن يؤدي إلى اختراقات في صياغة السياسات وتقديم الخدمات وحل المشكلات. إن ثقافة الابتكار هذه ضرورية للحكومات لتظل ذات صلة وفعالة في مشهد دائم التغيير.
وفي عصر يتسم بالتغيير السريع والتعقيد، يجب على الحكومات أن تقوم بشكل استباقي بتحويل وتعزيز مرونتها لتلبية احتياجات مواطنيها بشكل فاعل، من خلال إعادة هيكلة المناصب السياسية والإدارية والعمل ضمن نهج استراتيجي لا يعمل على تكييف الهياكل الحكومية مع التحديات المعاصرة فحسب، بل يعمل أيضاً على تعزيز الإبداع والشفافية، من خلال تبني هذه التغييرات، تستطيع الحكومات أن تضع نفسها ككيانات سريعة الاستجابة وفعالة وقادرة على تلبية الاحتياجات المتطورة لمجتمعاتها، وهذا يمكن من خلال جهود إعادة الهيكلة المدروسة والمخططة جيداً فبذلك تستطيع الحكومات أن تحول نفسها حقا إلى كيانات رشيقة تتطلع إلى المستقبل وعلى استعداد لتجاوز تحديات القرن الحادي والعشرين واغتنام الفرص الضائعة في مملكتنا الحبيبة.