انشغلت الاوساط الرسمية والشعبية بقضيتين خلال الشهرين الماضيين تناسينا معهما قضية الدعوة الملكية للاصلاح ؛ وهما القضية الأمنية في نيسان الماضي التي اطلق عليها " الفتنة" ..وجاءت بعدها قضية حي الشيخ جراح والعدوان الصهيوني على غزة. ويبدو ان هاتين القضيتين اعطتا حجة لكثير من المسؤولين لتأخير السير في اصلاح القوانين الناظمة للحياة السياسية وفي المقدم منها قوانين الانتخاب والاحزاب والادارة المحلية.
وحده رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز يقود حوارات في المحافظات وبمبادرة" ذاتية " منه وانطلاقا من تجاوبه مع ما ورد في الاوراق النقاشية لجلالة الملك وهي مبادرة وجدت من يشجعها وفي نفس الوقت تعرضت لنقد البعض .
السؤال المهم هو : اين الحكومة ومجلس النواب عن هذه الحوارات؟ فالمعلوم ان الحكومة هي من يقدم التعديلات على القوانين سواء بمبادرة منها او بناء على طلب موّقع من النواب . ولغاية الآن لم تبدأ الحكومة ولا اذارعها مثل وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية بأي جهد للتجاوب مع دعوة الملك لاصلاح هذه القوانين وهو ما كرره الملك في حوار صحفي مطول وبعدها في لقاءاته مع الكتل النيابية والشخصيات السياسية.
الإصلاح المطلوب يتعدى القوانين على اهميتها في رسم ملامح الحياة التمثيلية والسياسية الى جوانب من بينها ادماج كل ابناء الاردن في الدولة المدنية التي نادى بها الملك والتي شعارها سيادة القانون ، لاغير ، وحقوق متكافئة لجميع الاردنيين والتخلص من الهويات الفرعية والإجتماع على الهوية الوطنية الاردنية في مواجهة كل التحديات التي ممكن ان تواجه الدولة داخليا وخارجيا.
لا يعقل ونحن ندخل المئوية الثانية من عمر الدولة الاردنية التي بناها الأبناء والأجداد المؤسسون مع القيادة الهاشمية ان نعود الى نقطة الصفر في علاقاتنا الداخلية وحل مشكلاتنا التي نعاني منها .
في غياب العدالة السياسية والتمثيلية والإجتماعية سيضطر الناس الى اللجوء الى مكوناتهم العشائرية لحماية انفسهم والدفاع عن حقوقهم خاصة ان مشاريع الخصخصة الاقتصادية في السنوات الاخيرة افقدت كثيرا من المواطنيين مصادر عملهم ورزقهم وخاصة في الشركات الكبرى ، ومن بينهم المتقاعدون العسكريون، الذين كانوا يعتاشون بالعمل في هذه الشركات خاصة في جنوب الاردن .
الإصلاح المنشود يجب ان يتم وفق رؤية تأخذ بالحسبان طبيعة المجتمع الاردني وظروفه وان يتم بمشاورات مع كل اطراف المجتمع الاردني ، دون اقصاء لأحد، مع التأكيد بأن دخولنا المئوية الثانية يحتم علينا بناء دولة حديثة قادرة على السير الى المستقبل بثبات والتفاف كل الاردنيين حولها .
وهذا يعني اعادة النظر بمؤسسات الدولة وطريقة تشكيلها بدءا من الحكومة ومجلسي الاعيان والنواب وصولا الى ادارات العمل اليومي مع المواطنيين.
الدولة بالمفهوم الحديث هي راعي حقوق الناس ومصالحهم وليس الهويات الفرعية الا اذا تخلت الدولة عن دورها وعندها سيرجع الناس الى مقولة" عد رجالك ورد الماء ".