لم تكن رسالة عادية تلك التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني يوم الأربعاء الماضي إلى الشعب الأردني حول التطورات الأخيرة، فقد حملت الكثير من المضامين الهامة لكل من ظنّ في الأردن هذا الوطن المختلف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ظنّ سوء الإدارة وسوء التصرّف، حيث حبس جلالته أنفاسهم جميعا، في تأكيدات واضحة وعلنية بأن الأردن بخير مطمئنا من يهمّه الأردن وأمنه واستقراره، ورادا على كل حاسد أو ساعي لإيذاء وطن تحدى أكبر مشاكل هذه المرحلة وأكثرها خطورة.
نعم، فقد قالها جلالة الملك بحسم ملكي واضح، مخاطبا الأردنيين كعادة جلالته بالأهل والعشيرة، "وموضع الثقة المطلقة، ومنبع العزيمة"، بأن الفتنة وئدت، الفتنة التي سعى من خلالها أعداء الوطن لزرع فتيل أزمة ربما هي الأصعب على المملكة، لكن بفضل قيادة حكيمة، وأساسيات الأسرة الهاشمية تجاوزها الأردن، ليكون أكثر قوّة ومنعة، بل وأكثر مسؤولية في حماية تراب الوطن وسلامة أراضيه.
رسالة انتظرها الأردنيون، ومنهم من طالب بها، فجلالة الملك مصدر طمأنينة لكافة المواطنين، ليجعل من يومنا أمس يوما مختلفا، لا يطابق وقت هذا الزمن، فيما بثّه في نفوسنا جميعا من جرعات أمل وطمأنينة وثقة بأننا بخير، وأن ندير ظهرنا لأزمة وضعها الحاقدون في درب مسيرة وطني، لتنال من انجازاتها وخططه لمواجهة تحديات المرحلة التي تحدث عنها جلالته في الرسالة بكل وضوح وعلى رأسها الاقتصادية، وجائحة كورونا، ناهيك عن المواقف الأردنية الداعمة للقضية الفلسطينية.
قدّم جلالة الملك في رسالته التي سيكتبها التاريخ بأحرف من نور، قدّم المواطن وامن استقرار البلاد على أي أمور وملفات وقضايا أخرى، مطمئنا بأن "الفتنة وئدت"، وفي ذات الوقت مؤكدا جلالته أن أردننا الأبي "سيبقى، بإذن الله عز وجل، آمنا مستقرا، محصنا بعزيمة الأردنيين، منيعا بتماسكهم، وبتفاني جيشنا العربي الباسل وأجهزتنا الأمنية الساهرة على أمن الوطن"، مضيئا جلالته بذلك نفقا أدخلتنا جميعا به هذه الأزمة، ومغلقا بابا فتحته الأقاويل والأكاذيب والإشاعات لغايات لا يمكن وصفها إلاّ بكونها حفر لتأزيم الحال الأردني وفتن لجرّ الأردن نحو وحل أزمات كغيره من دول كثيرة، متناسين أن للأردن قيادة حكيمة وفي الأردن شعب ملتف حول قيادته ومثل هذه الزوبعات في فنجان المرحلة تزيده حبّا والتفافا حول جلالة الملك عبد الله الثاني.
تحدث جلالة الملك في رسالته كما يتحدث أفراد الأسرة الواحدة، معتبرا ما حدث "لم يكن تحدي الأيام الماضية هو الأصعب أو الأخطر على استقرار وطننا، لكنه كان لي الأكثر إيلاما، ذلك أن أطراف الفتنة كانت من داخل بيتنا الواحد وخارجه، ولا شيء يقترب مما شعرت به من صدمة وألم وغضب، كأخ وكولي أمر العائلة الهاشمية، وكقائد لهذا الشعب العزيز" هي الصراحة والشفافية ربما ليس فقط في القول، إنما أيضا في المكاشفة والتعبير عما يشعر به جلالته، ليعيش معه أبناء شعبه ما شعر ويشعر به، لكنه الملك عبد الله الثاني فكان من الكاظمين الغيظ، ليتجه نحو حلّ الأمور داخل الأسرة الهاشمية من قبل كبيرهم وكبيرنا جميعا ووالدنا سمو الأمير الحسن حفظه الله، فهي الحكمة الهاشمية والأسرة التي لا تعرف بين أفرادها سوى لغة العقل وحبّ الوطن أولا وآخرا، فكان كما قال جلالته أن "التزم الأمير حمزة أمام الأسرة أن يسير على نهج الآباء والأجداد، وأن يكون مخلصا لرسالتهم، وأن يضع مصلحة الأردن ودستوره وقوانينه فوق أي اعتبارات أخرى".
خطّ جلالة الملك في رسالته بداية حقيقية لمرحلة جديدة تنهي كابوس أزمة نال الأردن والأردنيون منها قبل أن تنال منهم، ووأد بها الأردن والأرنيون بقيادتهم فتنة حتى قبل أن تولد وتكوّن لنفسها أذرعا غير شرعية بين أفراد الأسرة الأردنية، ليؤكد جلالته أن الأردن مستمر رغم الصعوبات والتحديات كما نحن دوما "متّحدين، يدا واحدة في الأسرة الأردنية الكبيرة والأسرة الهاشمية، لننهض بوطننا، وندخل مئوية دولتنا الثانية، متماسكين، متراصين، نبني المستقبل الذي يستحقه وطننا"، لتنقلنا هذه الرسالة عمليا نحو سعي جديد وبنفس أكثر قوّة لنبني لوطننا ما يستحقه.
رسالة جعلت حوّلت من نقمة الأزمة نعمة، زادت من عزيمة الأردنيين للبناء، وتحقيق الأفضل بهمة عالية، وإخلاص وشموخ الأردنيين، ومبادئهم ووحدتهم واصطفاهم خلف قيادتهم، فبهذه الزمة أختبرنا بحبّنا للأرن وقيادته، وتفوّقنا ونجحنا، وجاءت رسالة جلالة الملك لتغلق باب أزمة نلنا منها ولم تنل منّا.
ابشر سيدنا نحن معك وبك ماضون نحو بناء مستقبل يليق بوطن جلالتك قائده.