في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسات الحكومية في الأردن إلى تبني أفضل الممارسات الإدارية، تظهر لنا بين الحين والآخر حالات تكشف حجم التناقض بين ما يُرفع من شعارات وما يُمارس على أرض الواقع.
آخر هذه الحالات ما يحدث اليوم في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، حيث كشفت معلومات موثوقه أن رئيس أحد الأقسام في مديرية الاستثمار، المكلّف بتسيير المعاملات، يواصل أداء مهامه حتى أثناء إجازته الرسمية، بل ومن مسقط رأسه في قرى إربد، وتحديدًا من تحت ظلال شجر الزيتون وكروم العنب!
ورغم أن البعض قد يرى في هذا تفانيًا في العمل يستحق التقدير وربما الترشّح لجائزة «الموظف المثالي»، إلا أن الأسئلة التي تطرح نفسها أكبر وأعمق من مجرّد حفاوة الثناء:
هل وصل مستوى الاعتماد على هذا الموظف حدًّا لا يمكن فيه تكليف بديل للقيام بمهامه أثناء إجازته؟ وهل يعقل أن لا تمتلك مديرية الاستثمار هيكلًا إداريًا قادرًا على استيعاب مثل هذه الغيابات الطبيعية؟
في حال رفض رئيس القسم معاملة ما وهو في إربد، هل سيتوجّب على صاحب المعاملة السفر مئات الكيلومترات لمناقشة أسباب الرفض تحت شجرة التين أو بجوار الدوالي؟
وإن انقطع الإنترنت عن رئيس القسم فجأة، فهل ستظل معاملات المستثمرين معلّقة بانتظار إعادة تعبئة رصيد حزم البيانات؟
هذه التساؤلات ليست استهدافًا لأشخاص، بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على خلل إداري إن ثبتت تفاصيله. فمن غير المنطقي أن تتحوّل الإجازة السنوية إلى «مكتب متنقل» ولا أن يبقى تسيير معاملات المستثمرين مرهونًا باتصال هاتفي أو إشارة إنترنت قد تتعطّل في أية لحظة.
إن كان الأمر صحيحًا – ونترك تأكيده للموارد البشرية ولمختصّي النظام الإلكتروني في السلطة – فإن على رئيس السلطة ومفوض الاستثمار أن يقرّروا: إمّا تكريم هذا التفاني بـ«وسام التميّز»، أو تصحيح الخلل ومحاسبة من أدار المنظومة الإدارية بهذه الطريقة التي تفتح الباب لسوء الإدارة والفساد المحتمل معًا.
ويبقى الأمل أن نرى إجراءات عملية تضمن ألا تبقى مصالح المستثمرين ومراجعي العقبة معلّقة بين إشارة إنترنت وضعف البدائل الإدارية. فالدول المتقدمة التي نطمح لمستواها لا تسمح أصلاً بإزعاج موظف أثناء إجازته – ناهيك عن تكليفه بإصدار قرارات عن بُعد!